شاور ولده؛ ليعلم صبره، لا ليصبره، وشاوره ليأنس بالذبح؛ فإن صدور العظيم بغتة عظيم، وليحصل له الأجر بانقياده لطاعة الله وطاعة والده.
﴿قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ به ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ على ذلك، ومن أسند المشيئة إلى الله تعالى، والتجأ إليه، لم يعطب. قرأ أبو جعفر، وابن عامر: (يَا أَبَتَ) بفتح التاء، ووقفا: (يَا أَبَهْ) بالهاء، وافقهما في الوقف ابن كثير، ويعقوب (١)، وقرأ نافع، وأبو جعفر: (سَتَجِدُنِيَ) بفتح الياء: والباقون: بإسكانه (٢).
والذبيح (٣) هو إسماعيل -عليه السلام- على قول الجمهور، وهو الراجح؛ بدليل أن ذكر البشارة بإسحاق -عليه السلام- بعد الفراغ من قصة المذبوح، فقال تعالى: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فدل على أن المذبوح غيره، وأيضًا فإن الله تعالى قال في سورة هود: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [الآية: ٧١] فلما بشره بإسحاق، بشره بابنه يعقوب، فكيف يأمره بذبح إسحاق، وقد وعد له بنافلة منه، وهو قول العباس بن
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٥٥٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٨٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٦٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٥/ ٢٤٣).
(٣) جاء على هامش "ت": "والقصة بحذافيرها تذكر في أكثر التفاسير والسير والقصص والتواريخ وشبهها، مع ما فيه من الكلام، وقد ذكرنا بعضها بتوفيق العزيز العلام".