ليرتحلوا معه، فتخلفوا عنه جبنًا، واعتلُّوا بالأموال والأولاد، فنزل: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ﴾ عنك ﴿مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ إذا رجعت من الحديبية.
﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ اللهَ ليغفر لنا تخلُّفَنا عنك، فكذبهم الله في اعتذارهم، فقال: ﴿يَقُولُونَ﴾ يُظهرون.
﴿بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ لأنهم لا يبالون باستغفارك.
﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا﴾ سوءًا ﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾ أي: لا يقدر على دفع ضر ولا جلب نفع إلا هو تعالى. قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (ضُرًّا) بضم الضاد، والباقون: بفتحها (١)، وهما لغتان، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي - ﷺ - يدفع عنهم الضر، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم أنه إن أراد شيئًا من ذلك، لم يقدر أحد على دفعه ﴿بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ فيعلم تخلفكم وقصدَكم فيه.
...
﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (١٢)﴾.
[١٢] ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾ لظنكم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون. قرأ الكسائي، وهشام: (بَل ظَّنَنْتُمْ) بإدغام اللام في الظاء، والباقون: بالإظهار (٢).
(٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٥٦)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٣٩٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٦/ ٢٠٥).