النَّاس معه، حتّى إذا كان بالكديد، وهو الماء الّذي بين قديد، أفطرَ، وبلغ ذلك قريشًا، فخرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار، وكان العباس -رضي الله عنه- أسلم قديمًا، وكان يكتم إسلامه، فخرج بعياله مهاجرًا، فلقي رسولَ الله - ﷺ - بالجحفة، أو بذي الحليفة.
ثمّ حضر أبو سفيان على يدي العباس إلى النّبيّ - ﷺ - بعد أن أستأمن له، فأسلم هو وحكيم وبديل، وممن أسلم يوم الفتح: معاوية بن أبي سفيان، وأخوه يزيد، وأمه هند بنت عتبة، وكان معاوية يقول: إنّه أسلم يوم الحديبية، فكتم إسلامه من أبيه وأمه، وقال العباس: يا رسول الله! إنَّ أبا سفيان يحب الفخر، فاجعل له شيئًا يكون في قومه فقال: "مَنْ دخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمِن، ومن دخلَ المسجدَ فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمنٌ، ومن دخلَ دارَ حكيمِ بنِ حزام فهو آمنٌ".
ثمّ أمر رسول الله - ﷺ - أن تُركز رايةُ سعد بن عبادة بالحجون لما بلغه أنّه قال: اليومَ يومُ الملحمة، اليومَ تُستحل الكعبة، فقال: "كذبَ سعدٌ، ولكن هذا يوم يعظِّمُ اللهُ فيه الكعبةَ، ويومٌ تُكْسى فيه الكعبة"، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكّة من كداء في بعض النَّاس، وكل هؤلاء الجنود لم يقاتلوا؛ لأنّ النّبيّ - ﷺ - نهى عن القتال؛ إِلَّا أن خالد بن الوليد لقيه جماعة من قريش، فرموه بالنبل، ومنعوه من الدخول، فقاتلهم خالد، فقُتل من المشركين ثمانية وعشرون رجلًا، فلما ظهر النّبيّ - ﷺ - على ذلك، قال: "ألم أَنْهَهُ عن القتال؟ "، فقالوا له: إنَّ خالدًا قوتل فقاتل، وقُتل من المسلمين رجلان، ودخل النّبيّ - ﷺ - من كداء على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح، يُرَجِّع.