نظر بين وجهات نظر أخرى، وتأثير ذلك على تصورات المسلم وعلى قضية الإيمان سيئ جدا.
إن النص القرآني الذي جعله الله- عزّ وجل- معجزا، لكي يأخذ الإنسان منه الحكم القطعي في كل شئ، وليكون ميزانا يزن به الخطأ والصواب، لا يصح أن يعرض العرض الذي يوحي وكأنه وجهة نظر رفيعة فقط، هذه ملاحظة ينبغي أن نضعها في حسابنا في أي دراسة مقارنة نفعلها، وأن نستقبل كذلك على ضوئها كل دراسة مقارنة.
في قضية الشيطان كتب الكثير وذهبت البشرية في هذا الشأن مذاهب شتى، وكان للتصورات الخاطئة في هذا الشأن التأثيرات الكثيرة، إما على تفكير الناس أو على طرائق حياتهم، أو على نمو طاقاتهم، أو على تفجيرها، والإسلام لا يتحمل شيئا من ذلك، لأن الإسلام وضع هذا الموضوع في إطاره الحق والصحيح، شأن الإسلام في كل شئ.
ولكن بلا شك فإنه قد حدث خطأ في بعض الحالات، وهو أن بعض الكاتبين خلال العصور ذكروا ما هب ودب في هذه الشئون، كما أن العلماء لم يتابعوا تصحيح الكثير من الأوهام المتضخمة في بعض البيئات حول قضايا الجن والشياطين، مع أن هذا الموضوع غيبي، وكل المواضيع الغيبية لا يصح أن يتلقى المسلم في شأنها إلا عن المعصوم، أو بشكل تقوم فيه حجة شرعية معتبرة. وقد حدث تفريط ما في هذه الشئون، ومن جملة التفريط تفريط له صلة بموضوع الجن والشياطين.
وفي عصرنا حدثت حملات عنيفة على كل ما هو غيبي، واتهمت العقلية التي تؤمن بالغيب حتى ولو كان هذا الغيب هو (الله) جل جلاله، اتهمت هذه العقلية بأنها عقلية غير علمية، بل اتهمت بأنها عقلية غبية.. !! دون تفريق بين العقلية الإسلامية التي لا تؤمن بغيب إلا إذا قام عليه دليل العقل أو دليل الشرع المعصوم من الخطأ، وبين العقلية الغيبية الأخرى التي لا تستند في إيمانها الغيبي على دليل. ولم تكن هذه الحملة مستغربة من أصحابها الماديين الذين لا يؤمنون إلا بالحس، فذلك مرض العصور ولم تخل البشرية من أصحابه منذ القديم، ولكن الغريب أن يتجاوب مع هذه الحملة بعض من تصدروا لتوجيه المسلمين، فحاولوا أن يؤولوا النصوص لصالح المادية، ومن جملة ذلك النصوص التي لها صلة بالجن والشياطين فقالوا: بأن الشيطان رمز على الشر وعلى نوازع الشر عند الإنسان، وإذن فهو ليس ذاتا ذات صفات.