لقد انطلق الإنسان بحرية كاملة في كل شأن فوصل إلى حقائق تخدم قضية الإيمان فرفضها، ووصل وأوصل إلى تخريب وضلال في العقل والوجدان، وفي السلوك والاجتماع وفي السياسة والاقتصاد، وهو مصر على أن يستمر في هذا الطريق. ومن ثم فقد آن الأوان أن يقول المسلم لهذا العالم كلمته الحاسمة، وبداية ذلك العرض الشامل لنصوص الإسلام وإقامة الحجة في شأنها على أنها الحق الخالص.
لقد آن الأوان للمسلم أن يرجع الأمور إلى نصابها في هذا العالم، الذي انطلق كل شئ فيه في غير مساره الصحيح، ليرجع الأشياء كلها إلى المسار الصحيح، بأن تصبح كلمة الله هي العليا، وبداية ذلك كله أن تفهم كلمة الله فهما صحيحا، وأن تفهم كلمة رسول الله ﷺ فهما صحيحا، وأن تقام الحجة بكلمات الله ورسوله ﷺ على العالم.
إن الوحي الإلهي في صيغته الصحيحة الوحيدة حاليا، يتمثل بالدليل والبرهان بما أنزل الله عزّ وجل على محمد ﷺ من قرآن وحكمة، هذا القرآن الذي كانت مهمة محمد ﷺ فيه البلاغ والبيان هو حجة الله على خلقه، وهو حجة الله على أن محمدا عبده ورسوله. هذا القرآن الذي هذا شأنه؛ لا بد من إبراز كمال الحجية فيه، وما أكثر الحجج وأكبرها، إنه كلمات الله إلى هذا العالم، فلا بد من إقامة الحجة فيه، ولا بد من الإجابة على شبهات الخلق في شأنه. ومن آخر هذه الشبه وأعجبها ما تثيره الآن أكثر دوائر الكفر بشكل مهذب أو وقح حول الوحدة القرآنية والصلة بين سور القرآن بعضها ببعض، أو آيات القرآن بعضها ببعض، كما ترى نموذج ذلك في مقدمة (كلود كاهن) في تاريخه، مع أن هذا الموضوع وحده هو من أعظم مظاهر الإعجاز في القرآن كما سنرى في هذه السلسلة، ولكن الأمر يحتاج إلى بيان، فكانت هذه السلسلة وخاصة جزؤها الأول هي هذا البيان. ومع البيان لمثل هذا الشأن وغيره مما تندفع به الشبه وتقوم به الحجة، فهناك محاولة الفهم الصحيح لكلمة الله وكلمة رسول الله ﷺ في عصر أصبحت فيه كثير من النصوص تفهم فهما خاطئا ويبنى على هذا الفهم الخاطئ أحكام خاطئة.