حقيقة هذا الدين.
ولقد حفلت أساطير شتى الشعوب وذكرياتها الغامضة بذكر طوفان أصاب أرضها في تاريخ قديم مجهول، بسبب معصية ذلك الجيل الذى شهد ذلك الحادث الكبير..
وأساطير بنى إسرائيل المدونة فيما يسمونه (العهد القديم) تحوي كذلك ذكرى طوفان نوح... ولكن هذا كله شئ لا ينبغي أن يذكر في معرض الحديث القرآني عن الطوفان، ولا ينبغي أن يخلط الخبر الصادق الوثيق بمثل هذه الروايات الغامضة وهذه الأساطير المجهولة المصدر والأسانيد. وإن كان لوجود هذه الأخبار الغامضة عن الطوفان عند شعوب شتى دلالته في أن الطوفان قد كان في أرض هذه الأقوام؛ أو على الأقل قد رحلت ذكرياته مع ذراري الناجين حين تفرقوا في الأرض بعد ذلك وعمروا الأرض من جديد.
وينبغي أن نذكر أن ما يسمى (بالكتاب المقدس) سواء في ذلك (العهد القديم) المحتوي على كتب اليهود أو (العهد الجديد) المحتوي على أناجيل النصارى- ليس هو الذي نزل من عند الله. فالتوراة التي أنزلها الله على موسى قد حرفت نسخها الأصلية على يد البابليين عند سبي اليهود. ولم تعد كتابتها إلا بعد قرون عديدة- قبيل ميلاد المسيح بنحو خمسة قرون- وقد كتبها عزرا- وقد يكون هو عزير- وجمع فيها بقايا من التوراة. أما سائرها فهو مجرد تأليف. وكذلك الأناجيل فهي جميعا لا تحوي إلا ما حفظته ذاكرة تلامذة المسيح وتلامذتهم بعد نحو قرن من وفاة المسيح- عليه السلام- ثم خلطت به حكايات كثيرة وأساطير.. ومن ثم لا يجوز أن يطلب عند تلك الكتب جميعها يقين في أمر من الأمور.
كلمة في السياق:
رأينا أن سورة هود عليه السلام محورها الأمر بعبادة الله، وقد رأينا كيف أن المقطع الأول قد قرر كل ما يحتاجه معنى العبادة.. ويأتي المقطع الثاني وفيه ثلاث قصص تدور حول نفس المحور، وقد مرت معنا القصة الأولى وهي قصة نوح عليه السلام، ورأينا فيها كيف أن دعوة نوح كانت دعوة إلى عبادة الله، وكيف كان موقف قومه، وكيف كانت مواقفه، وكيف كانت العاقبة له ولمن اتبعه، وكيف عاقب الله قومه، فقصة نوح هنا جاءت لتأخذ محلها في هذا السياق الخاص لهذه السورة،
كما أخذت محلها في سورة الأعراف ضمن سياقها الخاص بها، وسنرى القصة تتكرر كل مرة بما يخدم سياق