فطري أو منطق عقلي على الإطلاق.
إن صالحا يناديهم: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ... هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها.. فهو يناديهم بما في نشأتهم ووجودهم في الأرض من دليل فطري منطقي لا يملكون له ردا.. وهم ما كانوا يزعمون أنهم هم أنشئوا أنفسهم ولا أنهم هم كفلوا لأنفسهم البقاء، ولا أعطوا أنفسهم هذه الأرزاق التي يستمتعون بها في الأرض.. وظاهر أنهم لم يكونوا يجحدون أن الله- سبحانه- هو الذي أنشأهم من الأرض وهو الذي أقدرهم على عمارتها. ولكنهم ما كانوا يتبعون هذا الاعتراف بألوهية الله- سبحانه- وإنشائه لهم واستخلافهم في الأرض، بما ينبغي أن يتبعه من الدينونة لله وحده بلا شريك، واتباع أمره وحده بلا منازع.. وهو ما يدعوهم إليه صالح بقوله:
يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ).
فوائد:
١ - لم نتعرض إلى موطن هذه الأقوام التي مرت معنا في هذا المقطع، لأن ذلك قد مر الكلام عنه في سورة الأعراف، والوجود الزمني للأقوام المذكورة يتفق مع الوجود الذكري في المقطع، قوم نوح كانوا أولا، ثم قوم هود، ثم قوم صالح.
٢ - يذكر بعض المفسرين أثناء الكلام عن قصة نوح كلاما لا أصل له حول ابن نوح يريدون به الفرار من أن يكون ابنه الصلبي، وليس لهذا الكلام مبرر، ولذلك فإن المحققين يرفضونه، رفضا باتا فهو ابن نوح حقا وصدقا، وقد فرقت بينهم العقيدة.
٣ - الإعجاز في القرآن هو حصيلة لمجموعة معان تتضافر لتشكل الإعجاز، وقد تكلم الخطابي في رسالته عن إعجاز القرآن عن هذا الموضوع بما يشفي، وقد جرت عادة المفسرين أو المتكلمين أن يحللوا سورة أو آية بعينها، ويركزون عليها لإبراز هذا المعنى.
وتكاد تكون آية وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ من الآيات التي يعرضها الكثير على أنها نموذج لتضافر معان متعددة كان كأثر عنها الإعجاز، ولننقل كلام النسفي في الآية كنموذج:
(والنظر في هذه الآية من أربع جهات: من جهة علم البيان، وهو النظر فيما فيها من المجاز، والاستعارة، والكناية، وما يتصل بها، فنقول: إن الله تعالى لما أراد أن يبين


الصفحة التالية
Icon