(القول في الناسخ والمنسوخ)
ثم اعلموا أَنَّ عِلْمَ النَّسخِ جليلٌ، وقدرَهُ عظيمٌ لا يَسْتغني عنهُ حامِلُ القرآنِ العزيزِ، ولا يجوزُ لأحدٍ من أهلِ الِعْلمِ والفَتْوى الخَوضُ في الأحكامِ قبلَ معرفتهِ؛ كما ورد ذلكَ عنِ الصَّحابةِ رضيَ اللهُ تَعالى عنهم.
ولهذا أفردَهُ أهلُ العِلم بالذِّكْرِ والتَّصنيفِ، وها أنا أذكرُ في كتابي هذا قواعِدَهُ التي يُبْتَنى عليها، وأُصولَهُ التي يَسْتَنِدُ إليها؛ ليكْمُلَ نَفْعُهُ، وتظهرَ بركتُه -إنْ شاءَ اللهُ تعالى-، وأشرحُه في خمسةِ فصولٍ مع الإيجازِ والاختصارِ، وأبينهُ بياناً شافياً، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
* * *
الفصل الأول في معنى النسخ وحقيقته
اعلموا أن النسخَ في لسانِ العربِ اسمٌ مُشْتَرَكٌ بينَ معنيينِ (١).

(١) اختلف العلماء في هذا المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: أن النسخ حقيقة في الإزالة والرفع، مجاز في النقل، وهو قول الأكثرين.
الثَّاني: أنَّه حقيقة في النقل، مجاز في الإزالة، وهو اختيار القفال الشاشي.
الثالث: أنَّه مشترك بين المعنيين، وبه قال الباقلاني، والغزالي، والفاضي عبد الوهاب.
انظر: "المحصول" للرازي (٣/ ٢٧٩)، و "الإحكام" للآمدي (٢/ ٣/ ١١٢)، =


الصفحة التالية
Icon