وهي على ضربين (١):
فِعلٌ لا قُرْبَةَ فيهِ، بلْ فَعَلَهُ بطريقِ العادةِ؛ كالأكلِ والشربِ، والنوم والقيامِ، والقعودِ والركوب، فهذا يدلُّ على إباحَتِهِ، وينتفي عنهُ التحريمُ؛ لِعِصْمَتِهِ -صَلَّى الله عليه وسلم -، ولكونه لا يُقَرُّ على الخَطَأ، وينتفي عنه الكراهَةُ؛ لندورِ فِعْلِ المَكروهِ منهُ، وإنْ كانَ قدْ يفعلُهُ لتبيينِ الجَوازِ، أو (٢) لغيرِ ذلكَ منَ الوجوهِ.
فهذا عندي، وإنْ كانَ مُباحاً، فَيُستحبُّ لأمَّتهِ متابعَتُه -صَلَّى الله عليه وسلم - فيه؛ لكون عادتِه أَحْسَنَ العاداتِ، ومقرونةً بأَزْكى البركاتِ.
وقد تابعَهُ في ذلكَ كثيرُ من الصَّحابة -رضيَ اللهُ عنهم- وقل مَنْ رأيتُه من المُصنِّفينَ ذَكَرَ اسْتِحْبابَ ذلكَ (٣)، ولكنَّ نَظَرَهُمْ في ذاتِ الفِعْلِ، لا في نفسِ المُتَابَعَةِ.
والضربُ الثَّاني: فعلٌ يظهر فيه قَصْدُ القُرْبَة.
وقَدْ قَدَّمنا أَنَّ مأخَذَ السُّنَّةِ من ثلاثةِ أوجهٍ:
وجهانِ مُتَّفَقٌ عليهِما عندَ أهلِ العلمِ، فيعرف وجوبُ فعله وندبُه من

= و "شرح مختصر الروضة" للطوفي (٢/ ٦٧٨)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١٩١)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (٢/ ٨٢٤).
(١) انظر دلالة أفعاله - ﷺ - في المصادر التالية: "اللمع" للشيرازي (ص: ١٤٣)، و "البرهان" للجويني (١/ ٤٨٧)، و "الإحكام" للآمدي (١/ ١/ ٢٢٧)، و "بيان المختصر" للأصفهاني (١/ ٢٧٧)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١٧٦)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (٢/ ٨٢٤)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ٣٥)، و "أصول الفقه الإسلامي" لوهبة الزحيلي (١/ ٤٧٨).
(٢) في "ب": "و".
(٣) وقد نقله الباقلاني عن قوم؛ كما حكاه الغزالي في "المنخول". وانظر: "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١٧٧).


الصفحة التالية
Icon