والقسمُ الثالثُ: العلمُ بما يتعلقُ بتركيب الكلامِ وتأليفِه، وتَحْسينِه وتَرْصيفِه، على مُقْتَضى الخَصائِصِ ومَقاماتِ الأحوالِ؛ إذْ مقاماتُ الكلامِ متفاوِتَةٌ.
فَمَقامُ التَّنْكيرِ يُباينُ مقامَ التَّعريفِ، ومقامُ الإِطلاقِ يُباينُ مَقَامَ التَّقييدِ، ومقامُ الذِّكْرِ يُباينُ مَقامَ الحَذْفِ، ومقامُ الإيجازِ يُباينُ مقامَ الإِطْنابِ.
وهذا يُسَمَّى: عِلْمَ المعَاني والبَيان.
وهذا لا يَحتاجُ إليهِ أهلُ النظرِ والفُتْيا، وإنَّما يَحْتاجُ إليهِ الذي يطلبُ الكَشْفَ عن وجهِ إِعْجازِ القرآنِ، وضَروَرةُ الأدباِء والشعراءِ إليهِ شديدةٌ، بلْ هوَ عُدَّتُهم العَتيدَةُ.
والقسم الرابع: وإليهِ ضَرورةُ أهلِ النَّظَرِ والفُتْيا والمُفَسِّرينَ وسائرِ العُلماءِ، وهو معرفة رُسُومِ العرَبِ في خِطابِها، وسُنَنِها في كلامِها، واتِّساعِ معانيها، وأسرارِ مَبانيها، ودَقيقِ إشارتها، ولطيفِ عِبارتِها.
فمنْ سُنَّةِ العَرَبِ فِي كلامِها أنها تُسَمِّي الشيءَ الواحدَ بالأسماءِ الكثيرةِ، وتسمي بِالاسمِ الواحدِ المَعانِيَ الكَثيرةَ، وتأتي بالكلام بَيِّناً، وتأتي بهِ مُشْكِلاً، وتخاطبُ باللَّفْظِ العامِّ (١) وتريدُ بِه العامَّ، وتخاطبُ بالعامِّ وتريدُ بهِ الخاصَّ، وتخاطبُ بالخاصِّ وتريدُ به الخاصَّ، وتخاطبُ بالخاصِّ وتريدُ بهِ العامَّ، وتُطْلِقُ الكلامَ وتقُيِّدُهُ، وتذكرُ الاسمَ مَقْروناً ببعضِ صِفاته، وتريدُ نَفْيَ ما عداهُ، وقدْ لا تريدُ، بلْ هو وغيرُه سَواءٌ، وتأتي بالكلامِ على حقيقتِه، وعلى غيرِ حقيقتِه، فتزيدُ وتَنْقُص، وتُظْهِرُ وتُضْمِرُ، وتقدِّمُ ما يَنبغي تأخيرُه، وتؤخِّرُ ما يَنبغي تقديمُه، وتستعملُ في كلامِهَا الاستعارةَ والتشبيهَ، والمُحاذاة والمُقابَلَةَ كَثيراً، وتأتي بالأمرِ على وَجْهِهِ، وتَأتي بهِ

(١) في "ب": "وتخاطب الخاص باللفظ العام".


الصفحة التالية
Icon