على غيرِ حقيقَتِهِ، وكذلكَ تفعلُ في النَّهْيِ والخَبَرِ أيضاً، وتأتي بالكلامِ يُعْرَفُ من سِياقِهِ أنهُ أُريدَ بهِ غيرُ ظاهرِهِ، وقَدْ يُعرفُ ذلك في أولِ كلامِها وآخِره ووسطِه، وتبَتدِئُ بالكلامِ ويُنْبِئُ (١) أولُ لفظِها فيه عن آخره، وتَبْتدئُ بالكَلام وينبئُ (٢) آخرُ لفظِها عن أوَّلِهِ، وهو أكثرُ منْ ضِدِّهِ، وقد يكونُ البيانُ مُتَّصِلاً بالكلامِ الأَوَّلِ، وقد يكونُ مُنْفَصِلاً، وتتكلمُ بالشيءِ تعرفهُ بالإيماءِ دونَ الإيضاحِ باللَّفظِ.
قال الشافعيُّ: ويكون ذلكَ عندَها من أعلى كلامِها؛ لانفرادِ أهلِ عِلْمِها به (٣).
وجميعُ هذهِ الأقسامَ بَيّنةٌ متقاربةُ الاستواءِ عندَ العربِ، وإن كانَ بعضُها أَشَدَّ بياناً من بَعْضِ، مُتفاوِتَةٌ عندَ مَنْ يَجْهَلُ لِسانَها؛ لأنَ أقلَّ البيانِ عندَ العربِ كافٍ، إنَّما يريدُ بهِ السامعُ فَهْمَ قولِ القَائلِ، فأقلُّ ما يُفْهِمُ بهِ كافٍ عندَهُ.
وهذا هو الذي اعتمدَهُ أهلُ النَّظَرِ والفُتْيا في اسْتِنباطِ الأحْكام، ومَعْرِفَةِ الحَلالِ والحَرام، فَسمَّوْهُ (٤): أصولَ اللُّغَةِ.
وأولُ منْ أبرزَ ذلكَ وأظهرَهُ الإمامُ أبو عبدِ الله محمدُ بنُ إدريسَ الشافِعِيُّ -رضيَ اللهُ عنُه- لا منازَعَةَ في ذلكَ؛ ولا مِرْيَة؛ ولأجل مَعْرِفتهِ بلسان العربِ واتِّساعِ معانيها صارَ إِماماً للأئمةِ الهادين والعلماءِ المجتهدين -رضي اللهُ تعالى عنهمْ أجمعين-.
وقد سَمَّى بعضُ عُلماءِ اللسانِ -وهو الإمامُ أبو الحسين أحمدُ بنُ فارسٍ-
(٢) في "ب": "ويبين".
(٣) انظر: "الرسالة" للإمام الشافعي (ص: ٥٢).
(٤) في"ب": "وسموه".