(خاتمة المقدِّمة)
ولما انتهى بنا القولُ إلى فراغِ هذه المُقَدَّمَةِ الكريمةِ التي ذكرنا فيها أصولَ الفقهِ وقواعدَه، وشرحْنا فيها صفةَ لِسانِ العرب، واتِّساعَ معانيها.
من أنها تأتي بالكلامِ عامًّا تريدُ به العامَّ، وتأتي به عامًّا تريدُ به الخاصَّ، وتريدُ بالكلامِ ظاهرَه دونَ باطنِه، وتريدُ بهِ باطنَه دونَ ظاهرِه، وتريدُ بالأمرِ الوجوبَ والإلزامَ، وتريدُ به النَّدْبَ والاختيارَ، وتريدُ بهِ الإرشادَ، وغيرَ ذلكَ من صُنوفِ كلامِها.
فإنَّ الله -عزَّ وجَل- أنزلَ على نبيِّه محمَدٍ - ﷺ - كتابَهُ العزيزَ باللِّسانِ العربيِّ المُبين، وجعلَ إليه بيانَ جميعِ ذلك، فقالَ جلَّ جَلالهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]، فلا نعلمُ أنَّ خِطابًا عامًّا في كتابِ الله -جَلَّ جلالهُ- يُرادُ به العُمومُ، أو يرادُ به الخُصوصُ، أو يرادُ به ظاهرُه دونَ باطنِه، أو باطنُه دونَ ظاهرِه إلَّا من بيانِه - ﷺ -، وقد وصفَهُ -اللهُ جَلَّ جَلالُه- بأنه يَهْدي إلى صِراطٍ مستقيمِ، فقالَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٢ - ٥٣]، وأوجب على الكافَّةِ من خَلْقِهِ طاعَتهُ، وجعلَ طاعتَه سبحانَه في طاعَتِه - ﷺ -، فقالَ تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠] فبيَّنَ عنِ اللهِ -جَلَّ