* فأباحَ اللهُ -سبحانَهُ- بقوله: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] الفطرَ للمريضِ والمسافِر، وأكَدَ حُكْمَهُ بالذكر، فأعاده في الآية التي تلي هذهِ الآيةَ، وأوجبَ عليهما العِدَّةَ منْ أيامٍ أُخَرَ، ولم يوجبْ عليهما فِدْيَةً.
وبين النبيُّ - ﷺ - أنَّ الحائِضَ في معناهُما، قالت عائشةُ -رضيَ الله تعالى عنها-: كنا نُؤْمَرُ بقَضاءِ الصَّوْمِ، ولا نُؤْمَرُ بقَضاءِ الصلاة (١).
وقِسْنا النُّفَساءَ على الحائِضِ؛ لكونها في معناها؛ لأن النّفاسَ حَيْضٌ مجتمعٌ.
* فإنْ قلتُم: فهل فِطرُ المسافر على سبيل الرُّخْصَةِ أو على سبيل العزيمةِ؛ فإنَّ (٢) اللفظ يحتملُ ألاَّ يجعلَ لهم صومَ رمضانَ، ويجعلَ عليهم عدداً آخر، ويحتملُ أن يكونَ أَمَرَهُمْ بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة، إن شاؤوا؛ لئلاّ يحرجوا إن فعلوا، واللَّفْظُ في العَزْمِ أظْهَرُ؛ لترتُّبِ المَشْروطِ على الشَّرْطِ؟
قلتُ: الذي عليه أكثرُ أهلِ العلمِ أَنَّهُ بطريقِ الرُّخْصَةِ، واحتجُّوا بقولهِ تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وبما روى أبو سعيدٍ الخدريُّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- قال: كنا نسافرُ مع النبيِّ - ﷺ -، فمنّا الصائِمُ، ومِنَّا المُفْطِرُ، فلا يَعيبُ الصائِمُ على المُفْطِرِ، ولا المفطرُ على الصائِمِ (٣).
(١) رواه مسلم (٣٣٥)، كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض.
(٢) في "أ": "إن".
(٣) رواه مسلم (١١١٦)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.