ورويَ عنِ ابنِ عباسٍ وأبي هُريرةَ وعُروةَ بن الزُّبيرِ وعلي بنِ الحُسَينِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم- أنهم قالوا: لا يجوزُ الصومُ في السَّفَرِ، ومنْ صامَ فعليهِ القضاءُ، وجعلوهُ كالعاصي بصومِه، وبه قال داودُ وأهلُ الظَّاهِرِ.
ولهم من الحجَّةِ: ظاهِرُ الآيةِ، وقولُه - ﷺ -: "ليسَ مِنَ البرِّ الصِّيامُ في السَّفَرِ" (١). وما روى جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضيَ اللهُ عنهُ-: أَنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - خرجَ إلى مكَّةَ عامَ الفتحِ في رَمَضانَ، فصامَ حتى بلغِ كُراعَ الغَميمِ (٢)، فصامَ الناسُ، فقيلَ له: يا رسولَ الله! إنَّ الناسَ قَدْ شقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيامُ، فدَعا بقَدَحٍ من ماءٍ بعدَ العَصْرِ، فشربَ، والناسُ ينظرون، فأفطرَ بعضُ الناس، وصامَ بعضُهم، فبلغه أنَّ ناساً صاموا، فقال: "أولئكَ العُصاةُ" (٣)، وما روى ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: أَنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - خرجَ عامَ الفتح في رَمضانَ، فصامَ حتى بلغَ الكَديدَ (٤)، ثم أفطر فأفطر الناسُ
(٢) كُراع الغَميم: بضم الكاف، والغَميم: بفتح الغين وكسر الميم، وهو واد بين مكة والمدينة، بينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهو أمام عسفان بثمانية أميال، يضاف هذا الكراع إليه، وهو جبل أسود بطرف الحرة يمتد إليه.
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٣٥٠)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (٣/ ٢٤٦).
(٣) رواه مسلم (١١١٤)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية.
(٤) الكَدِيد: بفتح الكاف وكسر الدال المهملة، موضع بين عسفان وقديد، على اثنين وأربعين ميلاً من مكة. انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ٣٥١)، =