فإنها كانت تَجْهل كيفيةَ الصلاةِ ومعناها في الشرع، فهذا مِمَّا أحكمَ اللهُ -تعالى- فرضَه، وجعلَ بيانَه إلى نبيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّم-، فلا يُعْرَفُ بيانُه إلَّا من جِهَتِهِ -صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّم (١).
ثالثها: أن يعلَّقَ الحُكْمُ على الأسماءِ، التي لا تُعْرَفُ حقيقةُ معناها إلا بضربٍ من الاحتمالِ والتَّقريبِ؛ كالحِينْ، والزَّمانِ، والدَّهْر، والغِنى، والفَقْر، والمَسْكَنَةِ.
فإنه لا يُعرف الحدُّ الذي ينبغي أن يُسَمَّى به فقيراً أو مسكيناً معرفةً حقيقية، وإنما يُعرف بضربٍ من التقريب، ولهذا بيَّن النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ- لأصحابه، وهمْ أفصحُ العربِ وأعرفُهم بلسانِها، فقالَ: "ليس المسكينُ بهذا الطَّوَّافِ الذي يَطُوفُ على الناس، فتردُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمتانِ، والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتانِ"، فقالوا: وما المسكين؟ قال: "الَّذي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنيهِ، ولا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عليهِ، ولا يَسْألُ النَّاسَ شَيْئاً" (٢).
ولأجل هذا اختلف الفقهاء في حقيقةِ الفقيرِ والمسكين، ولو كان لَهُ حَدٌّ في اللغةِ، لَرَجَعوا إليه، ولم يَخْتَلفوا.
وبيان هذا الصِّنفِ يُؤْخَذُ من بيانِ الصِّنْفِ الذي يليه.
رابعها: أن يَذْكُرَ المتكلمُ شيئاً معلوماً، ولكنْ أجزاؤه مُتَفاوِتَةٌ، ويُعلِّقَ

(١) كبيانه - ﷺ - قولَه تعالى -مثلاً-: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] بقوله: "فيما سقت السماء العشر"، وكبيانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧] بحجه - ﷺ -، وقوله: "لتأخذوا عني مناسككم".
(٢) رواه البخاري (٤٢٦٥)، كتاب: التفسير، باب: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]، ومسلم (١٠٣٩) كتاب: الزكاة، باب: المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه. عن أبي هريرة، وهذا لفظ مسلم، وعنده: "قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ ".


الصفحة التالية
Icon