* فإن قيل: فقد أوجبَ الله - تعالى - علينا (١) إتمامَ الحجِّ والعمرةِ إذا دخَلْنا فيهما، ولا يجوزُ لنا الخروجُ منهُما؛ كما وردَ في كتابِ الله جَلَّ جلالهُ، وقد ثَبَتَ عن النبيِّ - ﷺ - أَنَّهُ أمرَ أصحابَه الَّذينَ لم يكنْ معهم هَدْيٌ بِفَسْخِ الحَجِّ إلى العُمرةِ (٢)، فما الحكمُ في ذلكَ، وكيفَ الجمعُ بين الآيةِ والحديث؟
قلت: ذهبَ بعضُ أهل المعاني والتفسير إلى أَنَّ هذه الآيةَ ناسخةٌ (٣)؛ لِما رُوي أن النبيَّ - ﷺ - (٤) أمرَ أَصحابه بعد أن أحرموا بالحجِّ أن يفسخوهُ في عمرة (٥)، فالآية محكمةٌ مستمرةٌ على عمومها.
ودعوى هذا القائل بالنسِخ باطلةٌ؛ فإن المتقدِّمَ لا ينسخُ المتأخِّرَ، فَحَجُّ النبيِّ - ﷺ - وأمرُه أصحابَهُ كان في سنةِ عَشْرٍ، والآيةُ نزلتْ في سنة سِتٍّ عامَ الحُدَيبية حينَ صدَّه كفارُ قريشٍ عن البيتِ الحرامِ.
وكأنّ (٦) هذا القائل سمعَ قولَ عمرَ -رضيَ الله عنهُ - فتوهَّمَهُ يدلُّ على النسخ، وليس كذلك.
وذلك أن عمر -رضي الله عنه - كان ينهى عن هذه المتعةِ (٧)، ويضربُ
(٢) رواه البخاري (١٦٩٦)، كتاب: العمرة، باب: المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع؟ ومسلم (١٢١١)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، عن عائشة.
(٣) انظر: "قلائد المرجان" (ص: ٧٩).
(٤) في "ب": "عن النبي أنه".
(٥) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٤/ ٢٨٩).
(٦) في "أ" زيادة "وقد"، وهو خطأ.
(٧) يعني: أن يحرم بالتمتع.