فإن قلتُم: وقد (١) كان عمرُ وعثمانُ -رضيَ الله تعالى عنهما - ينهيان عن متعةِ الحَجِّ (٢).
قلنا: اختلفَ أهلُ العلمِ في المتعةِ التي نَهَيا عنها، هلْ هيَ فسخُ الحَجِّ إلى العُمرة، أو التمتعُ في أشهرِ الحجِّ؟ فقال القاضي عياضٌ بعدَ ذكرِ أحاديث وآثار: الظاهرُ منها أنَّ المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخُ الحجِّ إلى العُمرة، قال: ولهذا كانَ عمرُ يضربُ الناسَ عليها، ولا يضربُهم إلَّا على ما اعتقدَهُ من اختصاصِ هذه المتعةِ بتلك السنة؛ لمخالفة الجاهلية، وأن ذلك غيرُ جائزٍ في غيرها، وذلكَ اعتقادُ أكثرِ الصحابةِ -رضي الله تعالى عنهم - (٣).
واختار أبو زكريا النوويُّ أنه التمتعُ في أشهرِ الحجِّ، وإنما نهيا (٤) عنه؛ لأن الإفرادَ أفضلُ، فنهيا عن (٥) التمتع نهيَ تنْزيهٍ، وضربَ عليه عمرُ؛ لأنه مأمورٌ بصلاحِ رَعِيَّته، وكان يرى الأمرَ بالإفراد من جملةِ صلاحهم (٦).
والمختارُ عندي: أَنَّ الذي نهى عنه عمرُ إنما هو فسخُ الحَجِّ إلى العُمرة لا التمتع (٧)؛ لما روى أبو موسى - رَضِي الله عنه - قال: قدمتُ على

(١) في "ب": "فقد".
(٢) رواه مسلم (١٢١٧)، كتاب: الحج، باب: في المتعة بالحج والعمرة، عن عمر رضي الله عنه. ورواه مسلم (١٢٢٣)، باب: جواز التمتع، عن عثمان رضي الله عنه.
(٣) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (٤/ ٢٦٤). ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" (٨/ ١٦٩)، وعن النووي نقل المؤلف - رحمه الله - كلام القاضي.
(٤) أي: عمر وعثمان رضي الله عنهما.
(٥) في "أ": "فيها من التمتع".
(٦) انظر: "شرح المسلم" للنووي (٨/ ٢٠٢).
(٧) "لا التمتع" ليس في "أ".


الصفحة التالية
Icon