رسول الله - ﷺ -، وهو بالبَطْحاءِ (١) فقال: "أحَجَجْتَ؟ " قلتُ: نعم، قال: "بم أهللتَ؟ " قلت: لبيكَ بإهلالٍ كإهلالِ رسولِ الله - ﷺ -، قال: "أحسنْتَ، انطلقْ فطفْ بالبيتِ وبالصفا والمَرْوَةِ"، ثم أتيتُ امرأة من نِساء بني قَيْسٍ، فَفَلَّتْ لي رأسي، ثم أهللتُ بالحجِّ، فكنتُ أُفتي بهِ الناسَ حتى خِلافةِ عمرَ، فذكرته له، فقال: إن نأخذْ بكتابِ الله، فهو يأمرُنا بالتَّمام، وإن نأخذْ بسنَّةِ رسولِ اللهِ - ﷺ -، فإنَّ رسول الله - ﷺ - لم يحلّ حتى يبلغَ الهديُ محلَّه (٢).
وهذا صريحٌ في أن الذي منع منهُ إنما هو فسخُ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ (٣)، لا التَّمَتُّعُ المَعْروفُ؛ لأنه مذكورٌ في كتاب الله تعالى، وعمرُ أخذ بكتاب اللهِ، وبه احتجَّ على من خالفه، وقال (٤): إن اللهَ -سبحانَه- يُحِلُّ لنبيِّهِ ما شاءَ، لما شاء، وإنَّ القرآنَ قد نزلَ منازِلَهُ، فأتموا الحجَّ والعمرةَ كما أمركمُ الله - تعالى -، وافْصِلوا حَجَّكُمْ من عُمْرَتِكُمْ؛ فإنه أَتمُّ لحجِّكم، وَأتَمُّ لعُمرتكم.

(١) البطحاء: مسيلٌ فيه دقاق الحصى، "اللسان" (مادة: بطح) (٢/ ٤١٣).
(٢) رواه البخاري (١٦٣٧)، كتاب: الحج، باب: الذبح قبل الحلق، ومسلم (١٢٢١)، كتاب: الحج، باب: في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام.
(٣) قلت: لكن وقع التصريح من عمر -رضي الله عنه - بأن المراد بما نهى عنه هو التمتع المعروف، فقد روى مسلم في "صحيحه" (١٢٢١)، كتاب: الحج، باب: في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام: أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك بعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد. حتى لقيه بعد فسأله، فقال عمر: قد علمت أن النبي - ﷺ - قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا مُعْرِسين بهنَّ في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.
(٤) في "ب": "فقال".


الصفحة التالية
Icon