فإنْ كانَ ذلكَ في حكمٍ واحدٍ، وسببٍ واحدٍ، حُمِلَ المطلَقُ على المقيَّدِ بالاتفاق (١)، وذلكَ كتقييدِ اللهِ تعالى العدالةَ في شُهودِ الطَّلاقِ (٢) والوَصية (٣)، وإطلاقِها في البيع (٤)، فالعدالةُ شرطٌ في الجميع (٥).
وإنْ كانا في حكمٍ واحدٍ وسببينِ مختلفَيْنِ، نُظِرَ في المقيدِ:
فإن عارضَهُ مقيَّدٌ آخَرُ في ذلكَ الحُكْمِ، لم يُحْمَلِ المُطْلَقُ على المقيَّدِ في واحدٍ منهما؛ إذْ ليسَ أحدُهما أولى منَ الآخَرِ، وذلك مثلُ الصَّومِ في الظِّهارِ، قيده بالتَّتَابُعِ (٦)، وفي المُتَمَتِّع (٧) قَيَّدَهُ بالتفريقِ (٨)، وأطلقَهُ في كَفّارة اليَمين (٩)، فلا يُحملُ المطلَقُ في اليمينِ على واحدة منهما.
وكذلكَ إذا تجاذبَ المُطْلَقَ ثلاثُ تقييداتٍ؛ كما ورد في نجاسَةِ الكلب، قيدهُ في رواية: بالأُولى، فقال: "أُولاهُنَّ بالتُّرابٍ" (١٠)، وفي
(١) انظر: "الأحكام" للآمدي (٢/ ٣/ ٧)، و"نهاية السول" للإسنوي (١/ ٥٥٠)، و"البحر المحيط" للزركشي (٣/ ٤١٧)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (١/ ٤٢٨)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ١٦٤).
(٢) في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢].
(٣) في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦].
(٤) في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
(٥) لأن الحكم واحد وهو الإشهاد، والسبب واحد وهو ضبط الحقوق، والله أعلم.
(٦) في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [المجادلة: ٤].
(٧) في "ب": "التمتع".
(٨) في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦].
(٩) في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [المائدة: ٨٩].
(١٠) رواه مسلم (٢٧٩)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب. عن أبي هريرة =