ومثالُ (١) ما دلَّ الدليلُ على إلحاقِ المسكوتِ عنهِ بالمذكورِ: قولُه تَعالى في الصَّيْدِ: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: ٩٥] فإذا نظرَ فيهِ الناظرُ، وجدَ القتلَ إِتْلافاً، ووجدَ (٢) الإتلافَ يَسْتَوي فيهِ العَمْدُ والخَطَأُ، استدلَّ بهِ على أن العَمْدَ ليسَ بشَرْطٍ، وإِنَّما هو تعريفٌ لا تقييدٌ.
ومثلُه أيضًا إذا اختلف البَيِّعانِ، والسلْعةُ قائِمَةٌ، تَحالفا وتَرادّا، فإذا نظرَ النَّاظِرُ، وجَدَ البُيوعَ مَتى فُسِخَتْ عُقودُها، رَجَعَ كُلٌّ من المُتبايِعَيْنِ إلى أصلِ مالِهِ، فأخذهُ منْ صاحِبه إنْ كانَ قائِمًا، وإلاّ رجعَ بقيمَتِه إن كانَ فائِتاً، علمَ بذلكَ أَن ذكرَ قيامِ السلْعَةِ ليس بشرط في التحالُفِ والتَّرَادِّ.
وإنما بيَّنا هذا وبسَطَنْاه لتعلَموا أَنَّ المُعْتَمَدَ في هذا الباب هو الاسْتِدْلال والنَّظَرُ.
ويزيدُهُ تأكيدًا ووُضوحاً أَنَّ الحُكْمَ المُعَلَّقَ على إحْدى صِفَتي الشَّيء يكونُ في مَسْكوتهِ ما يساوي منطوقَهُ، وفيهِ ما يُخالِفُهُ.
مثالُ ذلكَ: قولُ اللهِ -تبارك وتعالى-: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] فاشتراطُ الأَصْلاب يَنْفي تَحريم حلائِلِ أبناء التبنِّي، وأما بَنو البَنينَ، فلم تُفَرِّقِ الأصولُ بينَهم في إرثٍ ولا وِلاَيةٍ، فكانوا في معناهُمْ.
وكذلكَ من وَطِئَها الابنُ بملكِ اليمين لم يأتِ ذكرُ الحَلائِلِ لنَفْيِهم.
وكذلك قوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] الآية، وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] الآية، فيه وقوعُ الحَرَجِ في إبداءِ الزينة لِمَنْ عدا المذكورين منَ الأجانِب،
(٢) في "ب" زيادة "مثله".