وقوله تعالى: ﴿حِجُّ الْبَيْتِ﴾ خاص في السفر الواجب إلى البيت، وقوله - ﷺ -: "لا يحل لامرأة" خاصٌّ بالنساء، وقوله: "أن تسافر مسيرة يوم" عامٌّ في سفرِ الحج وغيره، فيفزع الناظر حينئذ إلى الأدلة الخارجة؛ إذ ليس أحدُ التخصيصين أولى من الآخَرِ.
فنظرنا فوجدنا حديثًا رواه عديُّ بنُ حاتمٍ -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - قال: "لَتوشِكُ الظعينةُ (١) أن تَخْرَجَ مِنْها- أي: الحِيْرةِ (٢) - بغير جِوارٍ حَتَّى تَطوفَ بالكَعْبَةِ"، قال عديٌّ: فلقد رأيتُ الظعينةَ تخرجُ من الحيرةِ حتى تطوفَ بالكعبةِ بغير جوارٍ (٣).
وتأوله مخالفُهما على أن ذلك شرطٌ للجواز، لا للوجوب، والمعنى يردُّ هذا التأويلَ؛ لأنه إنما نهى النبي - ﷺ - عن سفرها بغير محرم؛ للخوفِ عليها، فإذا أمنتْ على نفسها، وزال خوفُها، جاز لها السفرُ، ووجب عليها الحجُّ.
فإن قلت: فما حكمُ السفر الجائزِ عندَ الأمنِ، هل يكونُ كسفرِ الحجِّ الواجبِ أو لا؟
(٢) "أي الحيرة" ليست في "ب".
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٣٧٧)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٦٦٠٦)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (٦٦١٤)، وفي "الأحاديث الطوال" (١٩٦)، وابن حبان في "صحيحه" (٦٦٧٩)، والدارقطني في "سننه" (٢/ ٢٢٢)، والحاكم في "المستدرك" (٨٥٨٢)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٤٠/ ٧٤).