تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن"؛ فإن الصغيرة ليستْ من أهلِ الاستئمار بالاتّفاقِ، والبالغةُ من أهلِ الاستئمار بالاتفاق (١)، والبلوغ هو الفارق بينَ الحدَّين، فيكون السنُّ الذي قبلَ البُلوغِ كحالِ الصِّغَرِ، فحينئذٍ يمتنعُ النكاحُ؛ لفقدان الاستئمار (٢).
ويظهر لي قوةُ قول أبي حنيفة؛ لما فيه من حمل اللفظ على حقيقته، والحقيقةُ خيرٌ من المجاز (٣).
وأما حديثُ ابنِ عمرَ، فلا دلالةَ فيه، فللحنفيةِ أن يقولوا: الحديثُ وارد في اليتيمةِ الكارهةِ للنكاح، فالحديثُ مختصٌّ بسببه في اليتيمةِ التي من أهلِ الاستئمار، فلا تزوجُ حتى تستأمَرَ، والعبرةُ عندَ قومٍ منهم بخصوصِ السببِ، لا بعموم اللفظ.
وأما إذا لم تكنِ اليتيمةُ من أهل الاستِئْمار، فهي في مَحَلِّ السكوت، فلا يتناولُها الحديثُ الوارد على سببٍ مخصوص، أو لأن الخطابَ ورد عنه - ﷺ - على الغالب؛ فإن الغالبَ أنه لا تُنْكَح إلا من قد صارت من أهل الاستئمار، والله أعلم.
فإن قيل: مفهومُ الشرط يقتضي أنه لا يجوز نكاحُهنَّ إلا عندَ وجودِ القسطِ والعدلِ؛ لأن الله سبحانه أمر بنكاح مَنْ سواهُنَّ عند خوفِ الجَوْرِ عليهن.

= والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٢١).
(١) في "أ": "باتفاق".
(٢) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (٣/ ٩٤٥)، و"المغني" لابن قدامة (٩/ ٤٠٢)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٣/ ١/ ١٤).
(٣) انظر استدلال الحنفية في: "أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ٣٤٣).


الصفحة التالية
Icon