وثلاثَ، وهذا مما يجوز حملُه على الجمع، وليس موضوعًا للتفريق.
والذي أراه مَخْلَصًا (١) من شُبْهَتهم: أنَّ (مثنى وثلاث ورباع) أحوالٌ من قوله تعالى: ﴿مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (٢) [النساء: ٣]، والحال لا يتعدَّدُ مع واوِ العطف الموضوعةِ للجمع، وإنما يتعدد بدونها، ومتى دخلت الواو على الأحوال المتعددة، كان من باب النعت؛ كقوله تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا﴾ (٣) [آل عمران: ٣٩] والنعت غير متصوَّرٍ هاهنا، فتعين حينئذ مجيءُ الواو للتخيير (٤)؛ كقولِ

(١) في "ب": "ملخصًا".
(٢) وأعربها أحوالًا كلٌّ من الزمخشري والبيضاوي والقرطبي. انظر: "الكشاف" (٢/ ١٥)، و"تفسير البيضاوي" (١/ ٣٣١)، و"الجامع لأحكام القرآن" (٣/ ١/ ١٦).
(٣) قال الأزهري في "التصريح على التوضيح" (١/ ٣٨٥): وليس منه -أي: من تعدد الحال المفرد- نحو: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾؛ لأن من شرط التعدد عدم الاقتران بالعاطف عند الموضِّح -يعني: ابن هشام.
(٤) ذكر ابن هشام في "مغني اللبيب" (ص: ٨٥٧ - ٨٥٩) في توجيه قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾، كلامًا حقُّه أن يثبت هنا، قال -رحمه الله-: قولهم في نحو قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا... مَثنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾: إن الواو نائبة عن "أو"، ولا يعرف ذلك في اللغة، وإنما يقوله ضعاف المعربين والمفسرين، وأما الآية، فقال أبو طاهر حمزة بن الحسين الأصفهاني في كتابه المسمى بـ "الرسالة المعربة عن شرف الإعراب" القول فيها بأن الواو بمعنى "أو"، عجز عن درك الحق، فاعلموا أن الأعداد التي تجمع قسمان: قسم يؤتى به ليضم بعضه بعضًا... ، وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض، وإنما يراد به الانفراد لا الاجتماع، وهو الأعداد المعدولة؛ كهذه الآية، وآية سورة فاطر -يعني قوله تعالى: ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾، وقال: أي: منهم جماعة ذوو جناحين، وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة، وجماعة ذوو أربعة أربعة، فكل جنس مفرد يعدد. وقال الشاعر: =


الصفحة التالية
Icon