وقال في القول الثاني: هو نفسُ البلوغ، وبه قالَ مالكٌ (١).
ويظهر لي قُوَّتُه؛ لقول النبيِّ - ﷺ - لسعدِ بنِ مُعاب -رضي الله تعالى عنه-: "لقد قضيتَ بحكم الله"؛ حيثُ قضى في بني قريظة بقتل مقاتلتهم، وسبيِ ذراريهم (٢)، مع رواية عطية القرظي قال: عُرِضْنا على رسول الله - ﷺ -، فمن كان مِنّا مُحْتَلِمًا، أو نَبَتَتْ عانتُه، قُتل (٣).
ففرق سعا بين الذرارِيِّ والمقاتِلة، وبيَّنَ النبيُّ - ﷺ - بفعلهِ أنَّ من نبتَتْ عانتُه من المقاتِلة، لا من الذراري، وأنه حكمُ الله، ولو لم يكنْ بالغًا لما قتله.

= و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٣/ ١/ ٣٣).
وفي "الذخيرة" للقرافي (٨/ ٢٣٧): "أن البلوغ بالاحتلام أو الإنبات".
مما يدلُّ على أن البلوغ يحصل بالإنبات لا أنه يدل على البلوغ، وفي "مختصر خليل": "والصبي ببلوغه بثمان عشرة أو الحلم أو الحيض أو الحمل أو الإنبات". مما يدل على أن البلوغ يحصل بالإنبات أيضًا.
لكن الدردير في شرحه له والدسوقي في حاشيته قررا أن تلك علامات البلوغ وليست هي البلوغ نفسه، إلا أن نقول: العلامة معناها: إذا وجدت فقد بلغ الغلام. انظر: "حاشية الدسوقي" (٣/ ٤٥١)، و"مواهب الجليل" للحطاب (٦/ ٦٣٤). وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٣/ ١/ ٣٣).
(١) الأظهر من قولي الشافعي: أن الإنبات هو دلالة على البلوغ. انظر: "روضة الطالبين" للنووي (٤/ ١٧٩). وانظر عن المذهب المالكي المصادر السابقة.
(٢) رواه البخاري (٣٨٩٥)، كتاب: المغازي، باب: مرجع النبي - ﷺ - من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، ومسلم (١٧٦٨)، كتاب: الجهاد والسير، باب: جواز قتال من نقض العهد، عن أبي سعيد الخدري.
(٣) رواه النسائي (٣٤٢٦)، كتاب: الطلاق، باب: متى يقع طلاق الصبي، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٣٤١)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ٢١٧)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٧/ ٤٣٥)، والحاكم في "المستدرك" (٤٣٣٣)، والبيهقي في "السنن الكبري" (٦/ ٥٨)، عن عطية القرظي، وأخيه.


الصفحة التالية
Icon