المرادُ: الصلاحُ في المال فقط (١).
وقال الشافعي: الصلاحُ في المال والدين (٢).
ولا شكَّ أنه أحوطُ، ولكنه أضيقُ وأَحْرَجُ؛ لقلة الصلاحِ في الدين في أكثرِ الناس من قديمِ الزمان، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].
فإن قيل: فقد أمرنا الله سبحانه أن ندفعَ إليهم أموالَهم عند إيناسِ رشدٍ منهم، وذلك يقع على رشدٍ ما، فما وجه اشتراطِ الشافعي الرُّشْدَ في الدينِ والمال؟
قلنا: إن الله عَلَّقَ الدفعَ على إيناسِ رشدٍ ما، وكان ينبغي أن يُدفع إليه المالُ عند وجود الشرط، سواءٌ كان رشيدًا في ماله دون دينه، أو في دينه دون ماله، ولما اتفقوا على أنه لا يُدفع إليه في هذه الحالة، وهي إذا رَشَدَ في دينه دون ماله، جعل الشافعيُّ الحالةَ الأخرى مثلَها؛ إذ ليس إحدى الحالتين أَوْلى من الأخرى، ولِما فيه من حملِ اللفظِ المشتَركِ على جميع معانيه؛ إما لغةً، وإما احتياطًا.
ولكن يردُّ هذا الاستدلالَ مذهبُ مالكٍ وأبي حنيفة أن الخطابَ مع الأولياء جاء بصدد المال، ولم يُقصد به شيءٌ بلا من أمر الدين، فينبغي أن يصرفَ الرشدُ إلى الصلاح في المال؛ لقرينة القصد.
وقد بيَّنتُ أن القصدَ قرينةٌ قوية تخصُّ الأسماء ببعض مُسَمَّياتها، بل

(١) وهو قول أكثر أهل العلم. انظر: "المغني" لابن قدامة (٦/ ٦٠٧)، و"الذخيرة" للقرافي (٨/ ٢٣٠)، و "رد المحتار" لابن عابدين (٩/ ١٨١).
(٢) وهو قول الحسن وابن المنذر، وابن المواز من المالكية. انظر: "البيان" للعمراني (٦/ ٢٢٤)، و"روضة الطالبين" للنووي (٤/ ١٨١)، و"المغني" لابن قدامة (٦/ ٦٠٧)، و"الذخيرة" للقرافي (٨/ ٢٣١).


الصفحة التالية
Icon