وبه قال الشافعيُّ وأصحابُه (١)، ومحمدُ بنُ عبد الحَكَم المالكيُّ (٢)؛ لأنهم اتفقوا على وجوبِ الوضوءِ بالريحِ الخارجةِ من أسفل، وعدمِ إيجابه إذا خرجتْ من أعلى، وكلاهما ريحٌ واحدةٌ خارجةٌ من الجَوْف، فدل على أن الاعتبارَ بالمَخْرَجِ لا بالخارج، وضُغِّفَ بأن الريحينَ مختلفتان في الصفةِ والرائحةِ، فلا دلالةَ.
وقولُ أبي حنيفةَ وموافقتُه، أَقْيَسُ، وقولُ مالكٍ أقوى.
فإن قال قائلٌ: فـ (أو) موضوعةٌ في لسانِ العربِ لأحدِ الشيئين، أو الأشياءِ، إما تخييراً، أو إباحةً، أو تقسيماً وتفريعًا (٣)، وغير ذلك (٤)، فما معنى (أو) في قوله تعالى ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة: ٦]؟
قلنا: معناها الجمعُ كالواو، فقد تأتي بمعنى الواو كثيراً في لسان العرب (٥)، قال الشاعر (٦) يصف السَّنَة: [البحر البسيط]

وكَانَ سِيَّانِ أَلا يَسْرَحوا نَعَماً أَوْ يَسْرَحوهُ بِها واغْبَرَّتِ السُّوحُ
(١) انظر: "الأم" للشافعي (١/ ١٧، ١٨)، و"مغني المحتاج" (١/ ٣٢).
(٢) انظر: "الذخيرة" للقرافي (١/ ٢٣٥)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٥/ ٢٢٠).
(٣) في "ب": "تنويعاً".
(٤) قد نظم بدر الدين المرادي معاني (أو) في بيتين فقال:
بـ (أو) خير، أبح، قسم، وأبهم وفي شك، وإضراب، تكون
ومثل ولا، وواو، أو لنصب بإضمار، لحرف، لا يبين
انظر: "الجنى الداني في حروف المعاني" للمرادي (١/ ٣٨).
(٥) انظر: "الخصائص" لابن جني (١/ ٣٤٨)، و"مغني اللبيب" لابن هشام (ص: ٨٩).
(٦) هو أبو ذؤيب الهذلي، وقد تقدم ذكر البيت وتخريجه.


الصفحة التالية
Icon