وأما عندَ من لا يُجَوِّزُهُ؛ كمالِكٍ والشافعيِّ وأبي حنيفةَ، فلا يدلُّ (١).
وضُعِّفَ الاستدلالُ به على إيجابِ الجميعِ؛ لمخالفةِ القِياسِ؛ لما فيه من الجَمْعِ بينَ الأصلِ والبَدَلِ في فِعْلٍ واحِدٍ، وذلك لا يجوزُ.
والذي يظهرُ لي قوةُ الاستدلالِ به، وأنه موافق للقياسِ، وذلك أنه عُضْوٌ تدعو الحاجَةُ إلى سَتْرِهِ، ولا مَشَقَّةَ في مَسْحِ بَعْضِهِ، فوجبَ مسحُ المَيْسور؛ والاكتفاءُ بالبدلِ عن المَعْسورِ كما يُفْعَلُ في الجَبيرَةِ، ويخالفُ الخُفَّينِ؛ فإن في كشفِ بعضِ مَحَلِّ الفَرْضِ مشقةً، وقد يدعو نزعُ البعضِ إلى نزعِ الجميع، بخِلافِ العِمامة.
والعجبُ من الشافعيَّة كيف اعتمدوا هذا التَّضْعيفَ، وقالوا: يُسْتَحَبُّ (٢) التكميلُ بالعِمامةِ، فجمعوا بين البَدَلِ والمُبْدَلِ، وتحكَّموا، وجعلوا الأصلَ فَرْضًا، والبَدَلَ نَفْلًا، فهو خِلافُ الأصول؛ فإنه ما جازَ أن يكونَ بَدَلًا في النَّفْلِ، جازَ أن يكونَ بَدَلًا في الفَرْضِ، ولم نجدْ شيئًا يكونُ بَدَلًا في النَّفْلِ، ولا يكونُ بَدَلًا في الفَرْضِ.
ثم اختلفَ أصحابُهم وغيرُهم من أهلِ المعاني في معنى الباء.
فذهبَ مَنْ قالَ بقولِ مالِكٍ إلى أن الباء إمّا زائدةٌ، وإما معناها الإلصاقُ الذي هُوَ موضوعٌ لها حقيقةً، أي: أَلْصِقوا المَسْحَ برؤوسِكُمْ (٣).
وقيل: إن معناها الاستعانة والاعتمادُ، وإن في الكلامِ حذفًا وقلبًا، فإنَّ (مَسَحَ) يتعدّى إلى المُزالِ عنه بنفِسه، وإلى المُزيلِ بالباء، فالأصلُ:

(١) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (١/ ٣٥)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ٣٥٧)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١/ ٣٥٥).
(٢) في "ب": "مستحب".
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٦/ ٩٦).


الصفحة التالية
Icon