فاطرَحْ لهم منه، وإذا عرفْتَ كَيْلَهُ، فأخرجْ زكاتَهُ لهم (١) (٢).
وذهبَ الجُمهور إلى أن المرادَ بالحَقِّ الزكاةُ، أمر الثهُ سبحانه بِها أمراً مُجْمَلاً، ثم بيَنَهُ النبي - ﷺ -، كما قَدَّمْتُ ذلك أَوَّلاً، وبه قالَ أنسٌ، وابنُ عَبّاسٍ، وطاوسٌ، والحسنُ، وابنُ المُسَيِّبِ، وعطاءٌ، وغيرهم (٣).
واعتُرِض على هذا بأن فرضَ الزكاةِ كانَ بالمدينةِ، والسورةُ مَكّيَّةٌ، وهذا مُتناقِضٌ كما قَدَّمْتُ ذلكَ عن مالِكٍ من روايةِ ابنِ وَهْبِ وابنِ القاسمِ.
فمن المتأخِّرين مَنْ قالَ على طريقِ التَّنَزُّلِ: يجوزُ أن يُوجِبَ اللهُ سبحانهُ الزكاةَ بمكَّة بهذهِ الآيةِ إيجاباً مُجْمَلًا، فأوجبَ بمكَّةَ فرضَ اعتقادِ وُجوبِها، ووقفَ العملَ بها على بيانِ الجنسِ والقدرِ والوقتِ، فلم يُمْكِنِ الامتثالُ بِمَكَّةَ حتى تَمَهَّدَ الإسلامُ بالمدينة، فوقع البيانُ وتَعَيَّنَ الامتثالُ.
ثم قال: وهذا لا يَفْقَهُهُ إلا العلماءُ بالأصول (٤).
وما قاله هذا القائلُ حَسَنٌ، إلا أنه غَفَلَ عن التحقيقِ، فقولُه غيرُ مستقيمٍ لأنَّ اللهَ سبحانه لم يفرضْ وُجوبَ الزكاةِ وحَدَّهُ، بل فرضَ أداءَ حَقِّ المالِ يومَ الحَصاد، وتأخيرُ البيانِ حينئذٍ لا يجوزُ؛ لأنه وقتُ الحاجَة، إلا أن يُقَدَّرَ أَنَّ نزولَ الآية كانَ قبلَ أن يَيْنَعَ في آخرِ عامٍ هاجرَ فيه النبيُّ - ﷺ -، ولا يَخْفى ما في هذا من البُعْدِ.

= "اللسان" (مادة: دوس) (٦/ ٩٠). ومعنى الكلام: أن يُسْتخرَج الحبُّ أو الثمرُ من الشماريخ أو السنابل.
(١) "لهم" ليس في "أ".
(٢) رواه سعيد بن منصور في "السنن" (٥/ ٩٥)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢/ ٤٠٧).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (٨/ ٥٣)، و "التمهيد" لابن عبد البر (٢٠/ ١٥٤).
(٤) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ٢٨٦).


الصفحة التالية
Icon