وهذا القولُ ضعيفٌ جِدًّا؛ لما فيه من تركِ السُّنَّةِ المتفَقِ عليها، مع تأخُّرِها وحدوثِها.
ولمَّا رأى أكثرُ السَّلَفِ ذلكَ، ورأَوا أنه لا سبيلَ إلى تركِ السنَّةِ، اختلفوا على مَسْلَكَيْنِ:
فقال قومٌ: الآيةُ منسوخَةٌ بالسنَّةِ (١)، فالآيةُ مَكِّيَّةٌ، والنَّهيُ عن الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ كانَ بِخَيْبَرَ، رواهُ جابرُ بنُ عبدِ الله (٢)، والنَّهْيُ عن كلِّ ذي نابٍ من السِّباعِ وذي مِخْلَبٍ من الطيرِ رواهُ أبو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ وأبو هريرةَ (٣)، وهو متأخِّرُ الإسلام (٤).
وقال قومٌ: الآيةُ محكَمةٌ، ويضمُّ إليها بالسنَّةِ ما فيها من المُحَرَّمات، وبهذا المَسْلَكِ أخذَ جمهورُ أهلِ العلم (٥).
فإن قلتَ: فكيفَ تُضَمُّ السنَّةُ إلى الكِتاب معَ هذا التَّعارُضِ الصَّريحِ؟
قلنا (٦): لا تعارُضَ بينَهُما؛ لأنَّ الآيةَ جاءَ سياقُها لقَصْدِ الرَّدِّ على المُشركين في تَحْليلِهم وتحريمِهم أشياءَ بِجَهْلِهِم، ولم يردْ لحَصرِ المُحَرَّماتِ.
فإن قلتَ: فما دليلُك على هذا؟
قلتُ: قرأتُ من قبلهِ أربعَ آياتٍ، ونظرتُ كيفَ عاتَبَ اللهُ المشركينَ

(١) انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٣٤ - ٣٥).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: ٤٣٢).
(٥) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (١/ ١٤٥)، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص: ١٦٠).
(٦) في "ب": "قلت".


الصفحة التالية
Icon