وقد جَعَلَ اللهُ سبحانَه الخُمُسَ لِمَنْ سَمَّى، ومعلومٌ أن الباقيَ للغانِمين، فهو وإن لم يُذْكَرْ صريحاً، فقد ذكر إيماءً؛ كقوله تعالى: ﴿وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [النساء: ١١] وقد علمْنا أن للأبِ الثُّلُثينِ، فهلِ الجَمْعُ بينَهُما ممكِن، أو لا؟
قلت: إن قلْنا بالمَعْنى الثاني؛ كما روي عنِ ابنِ عَبّاسٍ، فظاهرٌ، وهو حكم ثابتٌ كان يفعلهُ رسولُ الله - ﷺ - كثيرًا، واتفق عليه أهلُ العِلْمِ، إلا مالِكًا؛ فإنه مَنَعَهُ، وقال: قتالٌ على الدنيا، وهو ضعيفٌ؛ لورودِ السنَّةِ بخلافه.
وأما إذا قلنا بالمعنى الأول؛ كما رواهُ سَعْدٌ.
فقد ذهبَ قومٌ إلى عدمِ التَّعارُضِ، وأن هذه الآيةَ حكمُها ثابِتٌ، فالغنيمةُ لرسولِ الله - ﷺ -، وكذلك لِمَنْ بعدَهُ من الأَئِمَّةِ، فإن شاءَ قَسَمَها بينَ الغانِمين، وإن شاءَ نفَّلَها مَنْ شاءَ منهم.
قال إبراهيمُ النَّخَعِيُّ في الإمام يَبْعَثُ السَّرِيَّةَ، فيُصيبوا المَغْنَمَ: إنْ شاءَ الإمامُ خَمَّسَهُ، وإن شاءَ نَفلَهُ كُلَّهُ (١).
ورُويَ عن مَكْحولٍ وعَطاءٍ (٢)، وبهِ قالَ جماعةٌ منَ المالكيةِ (٣)، وأظنه قولَ زُفَرَ.
ولعلَّ تأويلهم: إن الثهَ سبحانه ذَكَرَها كُلَّها للهِ ولرسولهِ في هذهِ الآيةِ،

(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣٢٣٧)، وعبد الرزاق في "المصنف" (٩٣٣٩).
(٢) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (٦/ ٤٩٥).
(٣) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (١٤/ ٥٧)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٨٨)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٨/ ٣).


الصفحة التالية
Icon