وذكر في الآيةِ الأخرى خُمُسَها لله ولرسولهِ، ولذي القربى واليتامى والمساكينِ، وسكتَ عن الأربعةِ الأخْماسِ، وإضافَةُ الاغْتِنام إليهم لا تُوجِبُ المُلْكَ في هذا (١).
واحتجّوا بأن النبيَّ - ﷺ - فتحَ مكة عَنْوَةً، ومَنَّ على أهلِها، فردَّها عليهم، ولم يَقْسِمها، ولم يَجْعَلْها فيئًا (٢)، وبفعل النبيِّ - ﷺ - في غنائِم حُنَيْنٍ حينَ أعطى الأَقْرَعَ بنَ حابِسٍ، وعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، والعَبّاسَ بنَ مِرْداسٍ مئةً مئةً (٣).
وذهبَ بعضُهم إلى تأويلٍ فاسدٍ رأيتُ ذِكْرَهُ؛ لكيلا يُغْتَرَّ به، فقالَ: اللامُ في هذهِ الآية ليست للمِلْك، وإنما المعنى قوله تعالى: ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] ولايةُ قَسْم وبيانُ حكم، لقوله - ﷺ -: "ما لي مِمّا أفاءَ اللهُ عليكُمْ إلا الخُمُسَ، والخُمُسُ مَرْدودٌ فيكم" (٤)، وهو باطل؛ لما قَدَّمْتُهُ من حديثِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ (٥) -رضيَ اللهُ تعالى عنهما-.
وذهب الجُمهورُ إلى التعارُضِ، وأنَّ آيةَ الأنفالِ مَنْسوخَةٌ بالتي
(٢) رواه مسلم (١٧٨٠)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة، عن أبي هريرة في حديثه الطويل.
(٣) رواه مسلم (١٠٦٠)، كتاب: الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، عن رافع بن خديج.
(٤) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٤٥٧)، والإمام أحمد في "المسند" (٢/ ١٨٤)، وأبو داوود (٢٦٩٤)، والنسائي (٤١٣٩)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (١٨٦٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٧/ ١٧)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٥) تقدم تخريجه قريباً.