على بَغْلَتِه البَيْضاءِ، وأبو سفيانَ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ يقودُ (١) به، فنزل واستَنْصَرَ وقال: "أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ" ثم صَفَّهُمْ (٢).
ويدل عليهِ أيضاً ما روى ابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهما-: أنه كانَ في سَرِيَّةٍ من سرايا رسولِ الله - ﷺ -، فحاص الناسُ حَيْصَةً عظيمةً، وكنتُ فيمَنْ حاصَ، فلما برزنا، قلت: كيفَ نصنعُ وقد فَرَرْنا منَ الزَّحْفِ، وبُؤْنا بغَضَبِ رَبِّنا؟ فجلَسْنا لرسولِ الله - ﷺ - قبلَ صلاةِ الفَجْرِ، فلما خَرَجَ، قُمْنا فقلنا: نَحْنُ الفَرّارونَ، فقال: "لا، بل أنتمُ العَكّارون" (٣) فدنونا، فقبَّلْنا يدَهُ، فقال: "إنَّا فِئَةُ المُسْلِمينَ" (٤).
وأما يوم أُحُدٍ، فإن الله قد عفا عنهم لما خالفوا رسولَ الله - ﷺ - بعدَما أراهُمُ اللهُ ما يُحِبُّون.
(٢) رواه البخاري (٢٧٧٢)، كتاب: الجهاد، باب: مَنْ صَفَّ أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته واستنصر، ومسلم (١٧٧٦)، كتاب: الجهاد والسير، باب: في غزوة حنين.
(٣) العكارون: عَكَرَ على الشيء يعكِر عَكْراً، واعتكر: كرَّ وانصرف؛ ورجلٌ عكَّارٌ في الحرب: عطَّافٌ كرَّار، والعَكْرةُ: الكرَّة، ومعنى الحديث: أنتم الكرَّارون إلى الحرب والعطَّافون نحوها، قال ابن الأعرابي: العكَّار: الذي يولّي في الحروب ثم يكرُّ راجعاً.
"اللسان" (مادة: عكر) (٤/ ٥٩٩).
(٤) رواه أبو داود (٢٦٤٧)، كتاب: الجهاد، باب: في التولي يوم الزحف، والترمذي (١٧١٦)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في الفرار من الزحف، والإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٧٠)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٩٧٢)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (٥٧٨١)، وابن الجارود في "المنتقى" (١٠٥٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٧٦).