أنَّ رسولَ الله - ﷺ - كانَ إذا أَمَّرَ أَميراً على جيشٍ أو سَرِيَّةٍ، أوصاهُ في خاصته (١) بِتَقْوى الله، ومَنْ معهُ منَ المسلمينَ خيراً، ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله" الحديث (٢)، وقد تقدَّم في "سورة البقرة".
قلنا: قد أجابَ زعيمُ الجَماعة وإمامُ هذه الصناعَةِ أبو عبدِ الله الشافعيُّ -رحمه الله تعالى-، فقال: ليسَ واحدةٌ من الآيتين ناسخةً للأخرى (٣)، ولا واحدٌ من الحديثينِ ناسخاً للآخر، ولا مخالفاً، لكنَّ أحدَ الحديثين والآيتين من الكلام الذي مخرجُه عامٌّ يُرادُ به الخاصُّ، ومنَ المُجْمَلِ الذي يدلُّ عليه المُفَسَّرُ، فأمرَ اللهُ بقتالِ المشركينَ حتى يؤمنوا، والله أعلم.
أمر بقتالِ المشركين من أهلِ الأوثان، وهم أكثرُ مَنْ قاتلَ النبيّ - ﷺ -، وكذلك حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-.
وفرض الله تعالى قتالَ أهلِ الكتابِ حتى يُعطوا الجِزْيَةَ عن يَدٍ وهُمْ صاغرون، إن لم يؤمنوا، وكذلك حديثُ ابن بريدةَ في أهل الكتابِ خاصَّةً، كما كانَ حديثُ أبي هُريرةَ في أهلِ الأوثانِ خاصَّةً.
قال: فالفرضُ في قتالِ من دانَ هو وآباؤه دينَ أهلِ الأوثانِ من المشركين أن يُقاتَلوا إذا قُدِرَ عليهم حتى يُسْلموا، ولا يجوزُ أن نقبلَ منهم جزيةً؛ لكتابِ اللهِ تعالى، وسنةِ نبيِّه - ﷺ -.
قال: والفرضُ في أهلِ الكتابِ ومنْ دانَ قبلَ نزولِ الفرقانِ دينَهم أن يُقاتَلوا حتى يُعْطوا الجزيةَ، أو يُسلموا، سواءٌ كانوا عَرَباً، أو عجماً (٤)، انتهى!
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "قلائد المرجان" (ص: ١١٢).
(٤) انظر: "اختلاف الحديث" للإمام الشافعي (٥٠٩).