١٤٧ - (٨) قوله جل ثناؤه: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنفال: ٦١].
أي: إن مالوا إلى المُصالَحَةِ، فَمِلْ إليها.
* أمر اللهُ سبحانَه نبيَّهُ - ﷺ - هنا بقَبول المُسالَمَةِ، وقال في موضع آخر: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾ [محمد: ٣٥].
فمن أهلِ العلمِ من رأى الآيتين مُختلفتين، فجعل آيةَ مُحَمَّدٍ ناسخةً (١) لهذه، وحُكي هذا عنِ ابنِ عباس -رضيَ اللهُ تعالى عنهما-.
وأكثرُ المفسرين على أن هذه الآيةَ منسوخةٌ.
ثم اختلفَ هؤلاءِ في الذي نَسَخَها.
فقال قومٌ: نسخها آيةُ السيفِ؛ قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥].
وقال قومٌ: نسخها قولُه تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩].
والصوابُ عدمُ النسخ؛ لفقدان التعارُضِ، وإمكانِ الجمعِ بين الآيات كُلِّها (٢)، فليسَ بينَها اختلافٌ، فهذهِ الآيةُ فيما إذا التمسَ المشركونَ مِنَّا الصلحَ، وبآيةِ "محمدٍ" نهانا الله تعالى أن نبتدئهم بالتماسِ الصُّلح، فكل

(١) انظر: "الناسخ والمنسوخ" (ص: ٤٢)، و"الناسخ والمنسوخ" (ص: ٢٧)، و"المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ٣٧)، و"قلائد المرجان" (ص: ١١٢).
(٢) ورجَّح عدم النسخ الطبري والزمخشري وابن كثير وغيرهم. انظر: "تفسير الطبري" (١٠/ ٣٤)، و"الكشاف" للزمخشري (٢/ ٢٢١)، و"تفسير ابن كثير" (٢/ ٣٢٤).


الصفحة التالية
Icon