ذكرَ اللهُ سبحانَهُ فيها الصَّفْحَ والإعراضَ عن المشركين، وقد قدمْتُ فيه بَحْثاً لطيفاً في "سورة النساءِ" عندَ ذِكْرِ الزَّواني.
ثم يحتملُ أن تكونَ هذه الآيةُ متناولةً لأهلِ الكتابِ بلفظِها؛ لأنهم مُشركون بقولهم: عُزَيْزٌ: ابنُ اللهِ، والمسيحُ: ابنُ الله، ويكونُ عمومُها مَخْصوصاً بقولهِ تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩].
ويُحتملُ أن تكونَ الآيةُ غيرَ مُتناوِلَةٍ لهمْ؛ لاختصاصِهِمْ باسمٍ يَخُصُّهُمْ، فلا يُحتاجُ إلى دليل يُخْرِجُهم من عمومِ هذه الآية.
وقد بَيَّنْتُ في "سورةِ البقرةِ" أنَّ هذهِ عامَّةٌ في الأمكنةِ، ويجوزُ تخصيصُها بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١].
* وقد اتفقوا على تخصيصِ عُمومها ببعضِ المُشركين، وأنه لا يجوزُ قَتْلُ بعضِهم، فنهى النبيُّ - ﷺ - عن قتلِ النِّساءِ والصِّبيان.
ولكن هَلْ عِلَّةُ القَتْل هو الإشراكُ باللهِ تعالى، أو هو الإشراكُ مع القُدْرةِ على القتالِ؛ بدليلِ قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠]؟ فيه خلافٌ، منهم من عَلَّلَ بالاسمِ، ومنهم من عَلَّلَ بالقدرةِ على القِتال واستدل بقوله - ﷺ - لمّا وَقَفَ على امرأةٍ مَقْتولَةٍ: "ما كانتْ هذهِ لتُقاتِلَ" (١) ويظهرُ أثر العِلَّتَيْنِ في قَتْلِ

(١) رواه أبو داود (٢٦٦٩)، كتاب: الجهاد، باب: في قتل النساء، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٤٨٨)، وعبد الرزاق في "المصنف" (١٠٢٤٢)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٢٧٥١)، والروياني في "مسنده" (١٤٦٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٨٢)، عن رباح بن ربيع.


الصفحة التالية
Icon