وأخوةِ الدينِ كالصلاةِ عندَ مَنْ يشترطُ ذلك؟
قلتُ: أجمعَ المسلمونَ على أن مانِعَها مسلمٌ، وليسَ بكافرٍ، فقد مَنَعَها وغَلَّها في عَصْرِ النبيِّ - ﷺ - وعَصْرِ أَصْحابه مانِعون، ولم يُكَفِّروهم (١).
فإن قلت: فأبو بكرٍ -رضي اللهُ تعالى عنهُ- حكمَ في مانِعي الزكاةِ بِحُكْمِ المُرْتَدِّ بِقَتْلِهِمْ وسَبْيِ ذُرِّيَّتِهِم.
قلتُ: لم يحكمْ فيهم بذلكَ لِمَنْعِ الزكاةِ وَحْدَهُ، بلْ لمنعِهم الزكاةَ، وبِجَحْدِهِمْ وُجوبَها (٢)، وذلكَ أن العربَ افترقَتْ في زمنِه -رضيَ الله تعالى عنه- ثلاثَ فِرَقٍ.
١ - منهم من ارتدَّ عن المِلَّةِ الحَنيفيةِ، ودَعا إلى نُبُوَّةِ مُسَيْلَمَةَ والأَسْوَدِ العَنْسِيِّ.
٢ - وقومٌ أنكروا الصلاةَ والزكاةَ وجميعَ الشرائع، وهؤلاءِ الذين سَبى أبو بكرٍ ذُرِّيَّتَهُمْ، وساعده على ذلكَ الصَّحابَةُ، واستولَدَ عَلِيٌّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- جارِيَةً مِنْ سَبْيِ بني حَنيفَةَ أمَّ مُحَمَّدٍ الذي يُدْعى ابنَ الحَنَفِيَّةِ.
٣ - وقومُ أَقَرُّوا الصَّلاةَ، وأنكروا الزكاةَ، وهؤلاءِ الذين وَقَعَتْ فيهمُ الشبهةُ لِعُمَرَ، ثم رجعَ إلى وِفاق أبي بكرٍ -رضي الله تعالى عنهما- لما احتجَّ بأنها في مَعْنى الصلاةِ، فدلَّ على أنهم قد أجمعوا على كُفْرِ جاحِدِ الصلاةِ؛ للنصوصِ التي لا تأويلَ فيها.
* ثم أجمعوا بعدَ ذلكَ على تكفيرِ جاحِدِ الزكاة، ولم يلتفتوا إلى تأويلِ الكافرينَ (٣).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٤/ ٢٧٢).
(٣) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ٢٧٧).