* وأما مانعُ الزكاةِ بُخْلاً فيها، فلم يقلُ أحدٌ بكفرِهِ قديماً ولا حديثاً (١).
وهذا تحقيقٌ حَسَنٌ بَيِّنٌ، فاعتمدْه، فقدْ حصلَ في ذلك تخبيطٌ لجماعةٍ من الفقهاءِ والمُحَدِّثين.
* * *
١٥٩ - (٥) قوله عز وجل: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٦].
أمر اللهُ سبحانَهُ في هذه الآيةِ بأَمانِ المُشْرِكِ، والكَفِّ عنهُ إذا دَخَلَ دارَ الإسلام لِيَسْمَعَ كلامَ اللهِ، وينظُرَ في الإسلامِ؛ لينقادَ للحقِّ إذا ظهرَ له حتى يسمَعَهُ ويَفْهَمَهُ، فإن قَبِلَ الحَقَّ، قَبِلناهُ، وإنْ أبى، رَدَدْناه إلى مَأْمَنَهِ.
وهذا الحكمُ متفقٌ عليهِ، والأمرُ في هذا للوجوبِ؛ إذ يجبُ إقامةُ حُجَّةِ اللهِ وإزالةُ الشبهة عن عبادِه، وإعانةُ طالبِ الحقِّ (٢).
والخطابُ مع النبيِّ - ﷺ -، والمرادُ بهِ جميعُ الأُمَّةِ، فيجوزُ لآحادِهم أن يُجيرَ آحادَ المشركينَ؛ لما رُوي عن عَلِيٍّ -رضي الله تعالى عنه-: أنه قال: ما عندي شيءٌ إلا كتابَ اللهِ، وهذهِ الصحيفةَ عن رسولِ الله: - ﷺ - "إن ذِمَّةَ المُسلمينَ واحِدةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ (٣) مُسْلِماً، فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائِكَةِ والناسِ أجمعين" (٤) ولقوله - ﷺ -: "المسلمونَ تَتكاَفأْ دِماؤُهم، ويَسْعى بِذِمَّتِهِمْ

(١) انظر: "المجموع" للنووي (٥/ ٣٠٠).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ٤٥٨)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (٣/ ٣٩٩).
(٣) أخفر: خَفَرَ به، خَفْراً وخُفُوراً: نَقَضَ عَهْدَه، وغَدَره، ومثله أخفره.
"القاموس" (مادة: خفر) (ص: ٣٤٩).
(٤) رواه البخاري (١٧٧١)، كتاب: فضائل المدينة، باب: حرم المدينة، ومسلم (١٣٧٠)، كتاب: الحج، باب: فضل المدينة.


الصفحة التالية
Icon