وتَقْديسًا لِمَسْجِدِهِ الحَرامِ، وبينَ أن العِلَّةَ في ذلكَ هيَ نَجَسُ المشركينَ، والحَرْبِيُّ والكتابِيُّ في هذا المَعْنى سَواءٌ، فلا يُمَكَّنُ من دُخولِ الحَرَمِ، فإن تَعَدَّى ودَخَلَ وماتَ، نُبِشَ قَبْرُهُ، وأُخْرِجَ، وإن تَغَيَّرَ واستَرَمَّ (١) (٢).
* ثم بَيَّنَ النبيُّ - ﷺ - مَعَ كتابِ الله تَعالى أَنَّ لحريمِ المَسْجِدِ الحَرام منَ التنزيهِ ما للمسجدِ؛ صيانَةً للحَرَمِ، فأجلى اليَهودَ منَ المدينةِ، وأوصى في مَرَضِ مَوْتهِ بإخْراجِ المُشْركينَ من جَزيرةِ العربِ (٣).
فأخذَ قومٌ بعُمومِ الإطْلاقِ في الجزيرةِ.
وجزيرةُ العَرَبِ في قَوْلِ الأَصْمَعِيِّ من أَقْصى عَدَنٍ وما والاها منْ أرضِ اليَمَنِ كُلِّها إلى أطرافِ الشامِ طولًا، ومِنْ جُدَّةَ وما والاها منْ ساحِلِ البَحْرِ إلى أَقْصى العِراقِ عَرْضًا (٤).
وفي قولِ أبي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَّى: ما بَيْنَ حفرِ أبي موسى إلى أقصى

(١) استرم: رمَّ العَظمُ يَرِمُّ رِمَّةً: بليَ والرَّميمُ: الخَلَقُ البالي من كل شيء.
"اللسان" (مادة: رمم) (١٢/ ٥٣).
(٢) ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة إلى منع دخول المشرك المسجد الحرام، ثم إنهما اختلفوا هل يعمم الحكم على كل المساجد أم يبقى مخصوصًا بالمسجد الحرام؟ انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٤/ ٣٣٥)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (٢/ ٤٦٩)، و"المغني" لابن قدامة (٩/ ٢٨٦).
(٣) وذلك كما في البخاري (٢٨٨٨)، ومسلم (١٦٣٧) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي ﷺ أوصى عند موته بثلاثٍ منها: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
(٤) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ٩٣).
وانظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (٢/ ٦٧)، "شرح مشكل الآثار" للطحاوي (٧/ ١٨٨)، و "الفائق" للزمخشري (١/ ٢٠٩)، و "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ١٦٩).


الصفحة التالية
Icon