روينا في "صحيح البخاري" عن أبي بكرةَ، عن أبيهِ، عن النبيِّ - ﷺ - قال: "إن الزمانَ قدِ استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ، السنةُ اثنا عشرَ شَهْرًا، مِنْها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بينَ جُمادى وشَعْبان" (١).
* ثم أمرنا اللهُ -تباركَ وتَعالى- بقتالِ المشركين كافَّةً كما يُقاتِلوننا كافَّةً، فيحتملُ أن يكونَ أرادَ أن نقاتِلَهُم بأجمَعِنا.
ويحتملُ أن يكونَ أرادَ أن نقاتلَ جميعَهم.
فإنْ قَدَّرْنا (كافة) حالًا مِنّا، فقد قالَ سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] وقدْ قررتُ في "سورةِ البقرةِ" أنَّ الجهادَ فرضٌ على الكِفايَةِ، فالأمرُ هُنا محمولٌ على النَّدْبِ، أو على وَقْتِ الحاجَةِ إلى الكافَّةِ.
وإنْ قدرناهُ حالًا من المُشركين، فقدْ قالَ اللهُ سبحانهُ وتَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ (٢) [التوبة: ١٢٣].
فعلمنا بهذا أن الأمرَ يختلفُ بحسب اختلافِ الأحوالِ، فإنْ كانَ في المسلمينَ كَثْرَةٌ وقُوَّةٌ، فالأَوْلى للإمامِ أَن يبعثَ السَّرايا في كُلِّ ناحيةٍ من نواحي المشركينَ؛ ليعلمَهُمْ (٣) بالجِهاد والنِّكايَةِ، فإنْ كانَ المسلمونَ دونَ ذلكَ، خَصَّ بِالقتال الذين يلونَهُ، وبدأ بالأَهَمِّ فالأَهَمِّ من قتالِهم؛ كما فعل ذلكَ رسولُ اللهِ - ﷺ - والخلفاءُ من بعدِهِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم-.
* * *

(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "الدر المصون" للسمين الحلبي (٦/ ٤٥).
(٣) في "ب": "ليعمهم".


الصفحة التالية
Icon