لأنَّ الأَصْلَ في الأوقاصِ الزكاةُ، إلَّا ما أخرجَهُ الدليلُ، وهذا لمْ يقمْ دليلٌ على إخراجِه، وإنَّما توقَّفَ فيه معاذٌ حتى يسألَ رسولَ اللهِ - ﷺ -.
ولقائِلِ أن يقولَ: لا نسلمُ عدمَ الدليلِ، بلِ الدليلُ موجودٌ، وذلكَ أَنَّ النبيَّ - ﷺ - بعثَهُ إلى اليمنِ، وقد علم أنهم أهلُ بقرٍ، وبَيَّنَ لهُ فرائضَ صدقَتِهم، وأنها تؤخَذُ من أغنيائِهم، وتُرَدُّ في فُقرائِهم؛ لأنه وقتُ الحاجةِ إلى البيانِ، ولو وجبَ الزكاةُ فيما دونَ الثلاثينَ، لَبَيَّنَهُ النبيُّ - ﷺ -؛ لأنه وقتُ البيانِ، ولهذا لم يأخذْها معاذٌ باجتهادهِ، وقد قالَ النبيَّ - ﷺ - لما سألَهُ عن طريقِ حكمه، فقال: أجتهدُ رأيي، ولا آلو (١)، وإنما وعدَهُم بسؤالِ رسولِ الله - ﷺ - إما (٢) طَلَبًا لليقين الذي هو خيرٌ من الاستدلال، وإما لعلمه أن الوحيَ يطرقُهُ كُلِّ حينٍ، فينسخُ اللهُ من أحكامِه ما يشاءُ، ويتركُ ما يشاءُ، والله أعلم.
* وجعلَ اللهُ سبحانَهُ الأَخْذَ إلى نبيِّه - ﷺ -، فكذلكَ يكونُ الأَخْذُ بعدَهُ إلى الإمامِ، فيجبُ على رَبِّ المالِ بذلُ الصدقةِ إذا طلبها الإمامُ.
وقد اتفق الفقهاءُ على وجوبِ الدفعِ إلى الإمام (٣) عندَ طلبِه في الأموالِ الظاهرةِ (٤).

(١) رواه أبو داود (٣٥٩٢)، كتاب: الأقضية، باب: اجتهاد الرأي في القضاء، والإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٢٤٢)، والدارمي في "سننه" (١٦٧)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٠/ ٣٦٢)، والبيهقي في "المدخل" (١/ ٢٠٧)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (٥٨/ ٤١٢).
(٢) "إمّا": ليس في "أ".
(٣) "إلى الإمام" ليس في "ب".
(٤) انظر: "المجموع" للنووي (٦/ ١٤٩)، و"روضة الطالبين" للنووي (٢/ ٢٠٦)، و"شرح فتح القدير" لابن الهُمام (٢/ ١٦٢)، و"حاشية الدسوقي" (١/ ٤٤٣)، =


الصفحة التالية
Icon