(من أحكام البيوع)
١٨٩ - (٤) قوله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)﴾ [الإسراء: ٣٥].
* أمرَ الله سُبحانَهُ بإيفاءِ الكيلِ، وإقامَةِ الوزنِ، وتواعَدَ عليهِ في موضعٍ آخَرَ (١)، وذلكَ واجِبٌ إجماعًا؛ لأنَّ تركَ الإيفاءِ ظُلْمٌ، وتَرْكَ الظلمِ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تأويلًا، أي: عاقبةً.
فإنْ قلتَ: فقولُه: ﴿خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٣٥]، يقتضي أنَّ الإيفاءَ في الكيل والإقامَةَ في الوزنِ وتركَهُما مُشْتَرِكان في الخيرِ والحُسْنِ، وأن أَحَدَهُما خيرٌ وأَحْسَنُ.
قلتُ: من أجلِ هذهِ الشُّبْهَةِ تَوَهَّمَ مَنْ لا خِبْرَةَ لَهُ أنَّ الآيةَ منسوخةٌ بسورة المُطَفِّفينَ، وليسَ الأمرُ كذلكَ، بل التَّفْضيلُ يُسْتَعْمَلُ بينَ المُشْتَرِكَيْن في الأمرِ حقيقةً، وقد يستعملُ في غيرِ المشتركينِ؛ كقولِ اللهِ: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٥٩]، وكقوله: ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ [مريم: ٧٥]، وكقوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)﴾ [الفرقان: ٢٤].
* * *