فقال: حين تُمْسونَ: صلاةُ المَغْربِ (١)، وجَعَلَ ذِكْرَ العِشاءِ الآخِرَةِ في قوله عَزَّ وجَل: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾ [النور: ٥٨].
وبنحو ما جاء في القرآن من البيانِ جاءَ البيانُ عن رسولِ اللهِ - ﷺ -.
روى مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي موسى -رضيَ اللهُ تعالى عنه-: أنَّ سائلًا أتى النبَّي - ﷺ - يسألُهُ عن مَواقيتِ الصلاةِ، فلمْ يَرُدَّ عليهِ شَيْئًا، قال: فأمرَ بلالًا، فأقامَ الفَجْرَ حينَ انْشَقَّ الفَجْرُ، والناسُ لا يَكادُ يعرفُ بعضُهم بَعْضًا، ثم أمرَهُ فأقامَ الظُّهْرَ حين زالَتِ الشَّمْسُ، والقائِلُ يقول: قَد انتصفَ النَّهارُ، وهو كانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثم أَمَرَهُ فأقامَ بالعَصْرِ والشَّمْسُ مرتفعةٌ، ثم أمرهُ فأقامَ المغربَ حينَ وقعتِ الشَّمْسُ، ثم أمرهُ فأقامَ العِشاءِ حينَ غابَ الشَّفَقُ، ثُم أَخرَ الفَجْرَ منَ الغَدِ حَتَّى فرغَ منها، والقائلُ يقولُ: قَدْ طلعَتِ الشمسُ، أو كادَتْ، ثم أَخرَ الظُّهْرَ حتى كانَ قريبًا من وَقْتِ العَصْرِ بالأَمْسِ، ثم أَخَّرَ العَصْرَ حتى انصَرفَ مِنْها والقائلُ يقول: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ المغربَ حتى كانَ عندَ سقُوطِ الشفقِ، ثم أَخَّرَ العِشاءَ حتى كانَ ثلثُ الليلِ الأولُ، ثُمَّ أصَبْحَ فَدَعا السائِلَ وقالَ: "الوَقْتُ بَيْنَ هذَيْنِ" (٢).
* قال الزَّجَّاجُ: وفي قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء: ٧٨] فائدةٌ عظيمةٌ تدلُّ على أَنَّ الصَّلاةَ لا تكونُ إلا بِقِراءَةٍ حينَ سُمِّيَتْ قرْآنًا.
وعلى هذا اتفقَ الفُقهاء (٣).
(٢) رواه مسلم (٦١٤)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس.
(٣) انظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ٢٨٣)، و"مغني المحتاج" للشربيني (١/ ١٥٦)، و"الهداية" للمرغيناني (١/ ٥٤)، و "القوانين الفقهية" لابن جُزَيّ (ص ٤٤).