قال الشافعيُّ: فأخَذْنا بحديثِ البَراءِ بنِ عازبٍ؛ لثبوتِه واتصالِه ومعرفةِ رجالِه، ولا يُخالفُ حديثَ العجماءِ، ولكنَّ "العجماء جرحُها جبارٌ" جملةٌ من الكَلامِ العامِّ المخرجِ الذي يُرادُ به الخاصُّ، فلما قضى فيما أفسدَتِ العجماءُ بشيءٍ (١) في حالٍ دونَ حالٍ، دَلَّ ذلك على أن ما أصابَتْ من جرح وغيرهِ في حالٍ جبارٌ، وفي حالٍ غيرُ جُبارٍ (٢).
وقال بعضُ أصحابِ الشافعيِّ: إن كان مَرْتعُ الماشيةِ مَواتاً حولَ البلدِ، لم يجبْ على مالكِها حفظُها بالنَّهارِ، وإن كان مَرْتَعُها في تلكَ البلدِ في حَريمِ المزارعِ، ويعلمُ صاحبُ الماشيةِ أنهُ متى أرسلَها وأطلقَها دخلَتْ زرعَ غيرهِ وأفسدَتْهُ، فعليهِ حفظُ ماشيتِه نَهاراً، هذا في النَّهارِ، وأما في (٣) اللَّيلِ، فإنْ كانَ في بلدٍ ليسَ لِبَساتيِنها ومَزارِعِها حيطانٌ، فإنَّه يَجِبُ على مالِكِ الماشيةِ حفظُ ماشيتهِ، وإن كانَ لها حيطانٌ، فلا ضمانَ على صاحِبِ الماشيةِ؛ لتفريط صاحب البستان في تركِ الإغلاقِ، وقَيَّدَ حديثَ البراءِ بهذهِ الأحوالِ.
وقال بعضُ أصحابهِ: يعتبرُ عُرْفُ البَلَدِ، فلو جَرَتْ عادتُهم ألا يُرْسِلوا الغَنَمَ (٤) نَهاراً إلَّا مَعَ راعٍ يحفَظُها، وأَلاّ يحفظَ أصحابُ الزَّرْعِ زَرْعَهُمْ بالنهار، فعلى مالِكِ الغنمِ (٥) الضَّمانُ فيما أتلفتْهُ بالنهار، فَخَصَّ عمومَ الحديثِ بالعادَةِ (٦).

(١) في "ب": "في شيء".
(٢) انظر: "اختلاف الحديث" للشافعي (ص: ٥٦٦ - ٥٦٧).
(٣) "في" ليست في "ب".
(٤) في "ب": "النعم".
(٥) في "ب": "النعم".
(٦) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٤٦٦ - ٤٦٨).


الصفحة التالية
Icon