قلنا: ألحقهُ الشارعُ بالمُذَكَّى حُكْمًا ولَفْظًا، فقال - ﷺ -: "فإنَّ ذَكاتُه ذَكاةُ أُمِّهِ" (١).
وبهذا القولِ قالَ مالكٌ (٢)، إلا أنه اشترطَ وجودَ ما يدلُّ على الحياةِ في الجنينِ من تمامِ الخَلْقِ وإنباتِ الشَّعرِ؛ لإشعارِ قوله - ﷺ -: "فإنَّ ذَكاتَه ذَكاةُ أُمِّه"؛ فإنه يقتضي كونَه مَحَلًا للذكاة، مع ما روي أن أصحابَ رسول الله - ﷺ - كانوا يقولون: إذا أشعرَ الجنينُ، فذكاتُه ذَكاةُ أُمِّهِ (٣).
وأما الشافعيُّ فلم يشترطْ ذلكَ، وتمسك بالمعنى؛ فإنه إنما جعل ذكاتَه؛ ذَكاتَها لكونه جزءًا منها، فلا مَعْنى لاشتراطِ الحياةِ (٤)، مع ما روى ابنُ أبي ليلى قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّهِ، أَشْعَرَ أو لَمْ يُشْعِرْ" (٥)، لكن هذا مُرْسَلٌ، وابنُ أبي ليلى سَيِّئُ الحفظ عندَ أهل الحديث (٦).

(١) رواه أبو داود (٢٨٢٧)، كتاب: الأضاحي، باب: ما جاء في ذكاة الجنين، والترمذي (١٤٧٦)، كتاب: الأطعمة، باب: في ذكاة الجنين، وابن ماجه (٣١٩٩)، كتاب: الذبائح، باب: ذكاة الجنين ذكاة أمه، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٣١)، والدارقطني في "سننه" (٤/ ٢٧٤)، وابن الجارود في "المنتقى" (٩٠٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٣٣٥)، عن أبي سعيد الخدري.
(٢) انظر: "الموطأ" للإمام مالك (٢/ ٤٩٠)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٦٣).
(٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٨٦٤١)، عن عبد الله بن كعب بن مالك.
(٤) وهو قول الحنابلة. انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ٢٣٤)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ١٥٠)، و"المغني" لابن قدامة (٩/ ٣١٩).
(٥) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٨٦٤٩)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقد رواه الدارقطني في "سننه" (٤/ ٢٧١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٣٣٥)، عن عبد الله بن عمر مرفوعًا، وصحح البيهقي وقفه على ابن عمر.
(٦) أما الحنفية فقالوا: لا يؤكل الجنين إلا أن يكون حيًا فيذكى. انظر: "أحكام =


الصفحة التالية
Icon