فالمراد بالذي في آخرها ما ذُبح على النُّصُب، والمُراد بالذي في أولها ما رُفع بهِ الصوتُ بغيرِ اسم الله، ولم يُذْبَحْ، فيجبُ تحريمهُ إهانةً لشِعار الشركِ؛ كما يجبُ تعظيمُ ما أهِلَّ به للهِ من البُدْنِ تَعظيمًا لِشعائِر اللهِ سبحانه.
قلت: ما أظن أحدًا من أهل العلم قالَ بهذا، بل هو حلالٌ إذا وقع في أيدي المسلمين قبلَ الذبحِ على النُّصُبِ، وإنما كررهُ الله سبحانه تأكيدًا لتحريمِه، فذكَره بلفظَي الحقيقةِ والمَجاز.
* إذا تقرر هذا:
فيحتملُ أن يكونَ المرادُ بقوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٣] العُمومَ لكلِّ ما ذُبِحَ لغير اللهِ، إما لصنمٍ، أو غيرِه.
ويحتمل أن يكونَ المرادُ به الخصوصَ، وهو ما ذُبح باسمِ النُّصبِ خاصّةً؛ بدليلِ قوله تعالى: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣].
* ولأجل هذا اختلفَ أهلُ العلمِ في الذي ذبحَهُ الكتابيُّ باسمِ الكنائسِ، واسمِ موسى وعيسى- عليهما الصلاة والسلام-.
فمنهم من حَلَّلَهُ، وقصرَ التحريمَ على النُّصُبِ، وإليه ذهبَ مالكٌ وأصحابه (١).
وذهبَ الشافعيُّ إلى التعميمِ (٢)؛ عملًا باللفظِ والمعنى:
(٢) وهو مذهب الحنفية والحنابلة. انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ١٥٤)، و"المبسوط" للسرخسي (١١/ ٢٤٦)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٩٤)، =