* فإن قلتَ: أولو الأرحامِ لفظٌ يقع (١) على الأولادِ والوالدينِ والإخوةِ وغيرِهم من العَصَبات، ويقعُ على الخالِ والخالةِ والعمَّةِ وغيرِهم، وهذه الآيةُ تدلُّ على أنَّ لهم حَقًّا، وأن مَرتبًتَهم بعدَ الأولادِ والوالدينِ والإخوة والعَصَبَةِ، فيكون الله سبحانه قد ذكر في سورة النساء مراتب ذوي الأرحام من الأولاد والوالدين والإخوة نصاً، وذكرَ غيرَهُم من ذوي الأرحام عُموماً.
قلتُ: هذا سؤالٌ حسنٌ، واستدلالٌ قوي، ولأجلِ هذا ذهب الكوفيون إلى تَوْريثهم، وقالَ به أحمدُ، وإسحاقُ، والمُزَنيُّ، وابنُ سريج.
وروي عن كثيرٍ من الصحابةِ كعمرَ، وعلى، وعائشةَ، وابن مسعود، ومُعاذٍ، وأبي الدَّرداءِ -رضيَ اللهُ تعالى عنهم-.
وذهبَ الحجازيونَ إلى عدمِ توريثهِم، وبه قالَ مالكٌ والشافعيُّ، ويروى عن أبي بكرٍ، وزيدِ بنِ ثابت، وابنِ عمرَ، ورُوي عن عَلِيٍّ أيضاً -رضيَ اللهُ تعالى عنهم- (٢).
وأجابوا عن الآيةِ بأنَ الرَّحِمَ مُجْمَلٌ، وليسَ ببيِّنٍ، فيرجعُ في بيانِه إلى غيرِه، وقد بيَنَهُ اللهُ سبحانَهُ، ورسولهُ - ﷺ -، وأنَّ المعنى: وأُولو الأرحامِ بعضُهم أولى ببعضِ على ما فَرَضَ اللهُ تَعالى، وبينَ رسولُه - ﷺ -؛ بدليلِ الإجماعِ على توريثِ الزوجِ والزوجةِ والمَوْلى، وليسوا بِذَوي رحم.

(١) "يقع": زيادة من "ب".
(٢) انظر: الخلاف في توريث ذوي الأرحام في: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٨/ ٥٩)، و"مصنف ابن أبي شيبة" (٣١١٥٨)، و"مصنف عبد الرزاق" (١٦١٩٦، ١٦١٩٧، ١٦٢٠٧، ١٦٢٠٨، ١٦٢٠٩)، و"فتح الباري" للحافظ ابن حجر (١٢/ ٣٠)، و "المغني" لابن قدامة (٦/ ٢٠٥)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (٨/ ٧٣)، و"روضة الطالبين" للنووي (٦/ ٥)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٢٥٥).


الصفحة التالية
Icon