ولما فيه من العَناءِ والنَّصَبِ، وقد قالَ النبيُّ - ﷺ - لعائشةَ لما أَعْمَرَها مِنَ التَّنْعيمِ: "ولكنها على قَدْرِ عَنائِكِ ونَصَبِك" (١).
ولكونه وردَ عن السلف الصالح -رحمَهُم اللهُ تَعالى- فعلُه والترغيبُ فيه، وحُكِيَ من فعلِ النبيّ إبراهيمَ وإسماعيلَ -عليهما الصلاةُ والسلامُ-.
فإن قلتَ: فالنبيُّ - ﷺ - لم يَحُجَّ إلا راكباً، وقد قالَ: "خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ" (٢)، وهو يدلُّ على أن الركوبَ أفضلُ كما قالَ بهِ بعضُ العلماءِ، والشافعيُّ في القولِ الأخيرِ، واختارَهُ النَّواوِيُّ (٣)، ولما فيهِ من بَذْلِ النفقةِ، وقد قالَ النبيّ - ﷺ - لعائشة: "ولكنها على نَصَبِكِ، أو قال: نَفَقَتِكِ" (٤).
قلنا: إنما حجَّ النبيُّ - ﷺ - راكبًا حتى يظهر ليقتدى (٥) به ويستفتى، ولهذا قال - ﷺ -: "خُذوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ" (٦). فالركوبُ في حَقّهِ أَفْضَلُ منَ المَشْيِ (٧)؛ لعُمومِ المصلحةِ بركوبه - ﷺ -.
ورُوي عنْ أبي حنيفةَ كراهَةُ المَشْيِ (٨).
ولَفا رأى بعضُ المتأخرينَ من أَصْحابِه ما فيه منَ البُعْدِ، حَمَلَهُ على مَنْ يسوءُ خُلُقُهُ بالمشيِ، ويُجادِلَ رفيقَه، أو يَجْمَعُ بينَ الصَّوْمِ والمَشْيِ.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "المجموع" للنووي (٨/ ٣٨٣)، و"روضة الطالبين" للنووي (٣/ ٣١٩).
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) في "ب": "فيقتدى".
(٦) تقدم تخريجه.
(٧) في "ب": "والركوب أفضل في حقه من مشيه".
(٨) انظر: "شرح فتح القدير" للكمال بن الهمام (٣/ ١٧١)، و"حاشية رد المحتار" لابن عابدين (٢/ ٤٦١).