٢٢٩ - (٢) قوله جَلَّ جَلالُهُ: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥].
وقد قَدَّمْتُ شيئًا من الكلامِ على هذهِ الآيةِ في "سورةِ الأنفالِ"، وسأزيدُ هنا ما يليقُ بهذا المَقام.
فأقول: يحتملُ أن يكونَ معنى قوله سبحانَهُ: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ التعليلُ، ويحتملُ أن يكون معنى هذه الجملةِ الحالُ، أي: فلا تَدْعوا إلى السّلْمِ في حالِ علُوِّكُمْ عليهم.
ولا بدَّ للمسلمينَ من ثلاثةِ أحوالٍ إذا التمسَ المشركونَ منهُمُ الصُّلْحَ:
الحالة الأولى: أن يكونَ على المسلمينَ في السّلْمِ مَضَرَّةٌ، فلا خَفاءَ في عَدَمِ (١) إجابتِهم.
الحالة الثانية: أن يكونَ للمسلمين فيهِ مصلحةٌ بأنْ يكونَ في المسلمينَ ضَعْفٌ وقِلَّةُ عددٍ لا خَفاءَ باستحبابِ الإجابةِ. وهل يجبُ؟ فيه وجهانِ عندَ الشافعيةِ:
أحدهما: يجبُ؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١]، ولما فيه من اتبِّاعِ الأصلح.
وأصحهما عندَهُم عدمُ الوجوبِ؛ لأن ما يتعلقُ بنظَرِ الإمامِ لا يكون
(١) في "ب": "بعدم".