واجباً عليه، وإن وجبَ عليه مراعاةُ الأصلحِ، والآيةُ منزلةٌ على (١) نظرِ الإمامِ في اتِّباعِ الأصلح للمسلمين، وفي هذا الاستدلالِ نظر لا يَخْفى.
الحالة الثالثة: أن يكون للمشركين فيهِ مصلحةٌ، وليس على المسلمين فيه مَضَرَّةٌ؛ بأنْ يكونَ المسلمونَ أَظْهَرَ منَ المشركين، وظاهرُ إطلاقِ الشافعيةِ أنهُ يجوزُ إجابتُهُم إذا رآهُ الإمامُ؛ لآيةِ الأنفالِ، وبه قَالَ فريقٌ من الناس (٢).
وقالت المالكيةُ بعدمِ الجوازِ (٣)، ووافقهم فريقٌ من الناسِ، لهذه الآية، وبهِ أقولُ؛ لأن الجهادَ فرض لا يجوزُ تركُه من غير عذرٍ ولا مصلحةٍ كسائرِ الفروضِ.
فإن قلتَ: هذا القولُ في إجابتهم إذا التَمَسوا الصُّلْحَ، فهلْ يجوزُ لنا ابتداؤهُم بطلبِ الصُّلْحِ؟
قلنا: ذهب قومٌ إلى أنه لا يجوزُ إلا في مَقامِ الضَّرورَةِ؛ لظاهرِ هذه الآيةِ، ولمفهومِ الخطابِ من آيةِ الأنفالِ.
وذهبَ الجُمهورُ من الفقهاءِ إلى أنه حَيْثُ جازَ إجابتُهم، جازَ ابتداؤهم؛ لما تقررَ أن الحُكْمَ في هذا مَنوطٌ بنظرِ الإمامِ، وقدِ التمسَ النبيُّ - ﷺ - الصلحَ من أهلِ مَكَّةَ، إمّا تَصريحاً، أو تلويحاً، وبهذا قالتِ الشافعيةُ، ولكن (٤) يلزمُ منهُ جوازُ طلبِ المسلمينَ للصلح (٥)؛ إن كانَ الصلحُ يختصُّ بمصلَحَته
(٢) انظر: "روضة الطالبين" للنووي (١٠/ ٣٣٥٣٣٤).
(٣) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٨٣)، و"القوانين الفقهية" لابن جزي (١/ ١٠٤).
(٤) في "ب": "ولكنه".
(٥) "للصلح": ليس في "أ".