بعضُهم من بعضِ ما وَجَبَ له (١)؛ لقوله تعالى: ﴿بِالْعَدْلِ﴾، والعدلُ أخذُ الحَق لبعضِ الناس منْ بَعْضٍ.
قال: وإنما ذَهَبْنا إلى أن القَوَدَ ساقِطٌ، والآيةُ تحتملُ المَعْنَيينِ؛ لما أخبَرَنا مُطَرّفُ بنُ مازِنٍ (٢)، عن مَعْمَرِ بنِ راشِدِ، عن الزهْريِّ قال: أدركتُ الفِتْنَةَ الأُولى في أصحابِ رسولِ اللهِ - ﷺ -، وكانَتْ فيها دِماءٌ وأموالٌ، فلم يُقْتَصَّ فيها من دمِ ولا مالٍ ولا قَرحٍ أُصيبَ بوجهِ التأويل، إلا أَنْ يؤخَذَ مالُ رجلٍ فيدفَعَ إلى أصحابِه (٣).
وقال أيضًا في القديم: وقدْ ظهرَ عَلِيٌّ -رضيَ اللهُ تَعالى عنه - على بعضِ مَنْ قاتَلَ، وفي أصحابِه من قَتَلَ منهُم، ومنهُمْ مَنْ قَتلَ من أصحابِه، وجَرَحَ، فلم يُقَد واحِدٌ من الفريقين من صاحبه من دمِ ولا جُرحٍ، ولم يغرمْهُ شيئًا علمنا (٤).
* وأحكامُ هذه الآيةِ ظاهر متفقٌ على أكثرها، وقد بَيَنَها اللهُ سبحانَهُ على أن المقصودَ من قِتالِ البُغاة إنما هُوَ كَفُّهُمْ عن البَغْيِ حتى يفيئُوا إلى الله، وليسَ المرادُ بهِ الانتقامَ منهم، فإذا أمكَنَ كَفُّهُمْ بقتالِ، فلا يُعْدَلُ إلى ما هوَ أغلظُ منه، ولا يُقْتلُ أسيرُهم، ولا يُذَفَّفُ (٥) على جَريحِهم، ولا تتلَفُ أموالُهم (٦).
(٢) في "ب": "عامر".
(٣) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٤/ ٢١٤).
(٤) انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٦/ ٢٧٩).
(٥) يذفف: تذفيف الجريح: الإجهاز عليه، وتحرير قتله. "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٢/ ١٦٢).
(٦) انظر: "الكافي" لابن عبد البر (ص: ٢٢٢)، و"الكافي في فقه الإمام أحمد" لابن قدامة (٤/ ١٤٨)، و"شرح مسلم" للنووي (٧/ ١٧٠).